فعلى قراءة النصب يجوز فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يتعلق بـ " شَهَادَاتٍ " لأنه أقرب إليه.
والثاني : أنه متعلق بقوله :" فَشَهَادَةُ " أي : فشهادة أحدهم بالله، ولا يضر الفصل بـ " أَرْبَعُ " لأنها معمولة للمصدر فليست أجنبية.
الثالث : أن المسألة من باب التنازع، فإن كلاًّ من " شَهَادَةُ " أو " شَهَادَاتٍ " يطلبه من حيث المعنى، وتكون المسألة من إعمال الثاني للحذف من الأول، وهو مختار البصريين وعلى قراءة الرفع يتعين تعلقه بـ " شَهَادَاتٍ " إذ لو علقت بـ " شَهَادةُ " لزم الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر، ولا يجوز أنه أجنبي.
ولم يختلف في " أَرْبَعَ " الثانية، وهي قوله :﴿أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ﴾ أنها منصوبة، للتصريح بالعامل فيها وهو الفعل.
قوله :" والخَامِسَةُ " اتفق السبعة على رفع " الخَامِسَةُ " الأولى، واختلفوا في الثانية : فنصبها حفص.
ونصبهما معاً الحسن والسلمي وطلحة والأعمش.
فالرفع على الابتداء، وما بعده من " أَنَّ " وما في حيزها الخبر.
وأما نصب الأولى فعلى قراءة من نصب " أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ " يكون النصب للعطف على المنصوب قبلها.
وعلى قراءة من رفع يكون النصب بفعل مقدر، أي : وتشهد الخامسة.
وأما نصب الثانية فعطف على ما قبلها من المنصوب وهو " أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ "، والنصب هنا أقوى منه في الأولى لقوة النصب فيما قبلها كما تقدم تقريره، ولذلك لم يختلف فيه.
وأما " أَنَّ " وما في حيزها فعلى قراءة الرفع يكون في محل رفع خبراً للمبتدأ كما تقدم، وعلى قراءة النصب يكون على إسقاط الخافض ويتعلق الخافض بذلك الناصب
٣٠٩
لـ " الخامسة " أي : ويشهد الخامسة بأنَّ لعنة الله، وبأن غضب الله وجوَّز أبو البقاء أن يكون بدلاً من " الخَامِسَة ".
قوله :﴿أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾.
قرأ العامة بتشديد " أنَّ " في الموضعين.
وقرأ نافع بتخفيفها في الموضعين، إلا أنه يقرأ " غَضِبَ اللَّهُ " يجعل " غَضِبَ " فعلاً ماضياً، والجلالة فاعله، كذا نقل أبو حيان عنه التخفيف في الأولى أيضاً، ولم ينقله غيره.
فعلى قراءته يكون اسم " أَن " ضمير الشأن في الموضعين، و " لَعنةُ اللَّهِ " مبتدأ و " عَلَيْهِ " خبرها، والجملة خبر " أَنْ "، وفي الثانية يكون " غَضِبَ اللَّهُ " جملة فعلية في محل خبر " أَنْ " أيضاً.
ولكنه يقال : يلزمكم أحد أمرين : وهو إمَّا عدم الفصل بين المخففة والفعل الواقع خبراً، وإما وقوع الطلب خبراً في هذا الباب، وهو ممتنع.
تقرير ذلك : أن خبر (أنْ) المخففة متى كان فِعْلاً متصرفاً غير مقرون بـ " قَدْ " وجب الفصل بينهما بما تقدم في سورة المائدة.
فإن أجيب بأنه دعاء، اعترض بأن الدعاء طلب، وقد نصوا على أن الجمل الطلبية لا تقع خبراً لـ " أَنَّ "، حتى تأولوا قوله :
٣٨١٦ - إِنَّ الرِّياضَةَ لا تُنْصِبْكَ للشِّيْبِ
وقوله : ٣٨١٧ - إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ
لاَ تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيْلِكُمْ نَامَا
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٠٠
على إضمار القول.
ومثله :﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ [النمل : ٨].
٣١٠
وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسُّلَمي وعيسى بتخفيف " أن " و " غَضَبُ الله " بالرفع على الابتداء، والجار بعده خبره، والجملة خبر " أَنْ ".
وقال ابن عطية : و(أَنْ) الخفيفة على قراءة (نافع) في قوله :(أَنْ غَضِب) قد وليها الفعل.
قال أبو علي : وأهل العربية يستقبحون أن يَلِيهَا الفعل، إِلاَّ أن يُفْصل بينها وبينه بشيء، نحو قوله :﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ﴾ [المزمل : ٢٠]، ﴿أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ﴾ [طه : ٨٩]، فأما قوله :﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ﴾ [النجم : ٣٩] فذلك لقلة تمكن (ليس) في الأفعال، وأما قوله :﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ [النمل : ٨] و(بُورِكَ) في معنى الدعاء، فلم يجئ دخول الفاعل لئلا يفسد المعنى، فظاهر هذا أن (غَضِب) ليس دعاء، بل هو خبر عن ﴿غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْها﴾.
والظاهر أنه دعاء كما أن (بُورِكَ) كذلك، وليس المعنى على الإخبار فيهما فاعتراض أبي علي وأبي محمد ليس بمرضي.
قوله :﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ﴾.
جواب :" لَوْلاَ " محذوف أي : لهلكتم أو لعاجلكم بالعقوبة، ولكنه ستر عليكم ورفع عنكم الحد باللعان، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ يعود على من يرجع عن المعاصي بالرحمة " حَكِيمٌ " فيما فرض من الحدود.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٠٠


الصفحة التالية
Icon