قوله تعالى :﴿لَّوْلا اا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ " لَوْلاَ " هذه تحضيضية، أي : هَلاَّ، وذلك كثير في اللغة إذا كانت تلي الفعل كقوله :" لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي " وقوله :" فَلَوْلاَ كَانَتْ ".
فأما إذا ولي الاسم فليس كذلك كقوله :﴿لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ : ٣١]، ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ [النور : ٢١].
و " إذْ " منصوب بـ " ظَنَّ " والتقدير : لولا ظَنَّ المؤمنون بأنفسهم إذ سَمِعْتُمُوه.
وفي هذا الكلام التفات.
قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : لولا إذ سمعتموه، ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم، ولِمَ عَدَل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر ؟ قلت : ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وليصرح بلفظ الإيمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض ألا يصدق (أحد قالةً في أخيه، وألا يظن بالمسلمين إلا خيراً).
وقوله :" وَلِمَ عدل عن الخطاب " ؟ يعني في قوله :" وَقَالُوا " فإنه كان الأصل :" وقلتم "، فعدل عن هذا الخطاب إلى الغيبة في " وَقَالُوا ".
وقوله :" وعن الضمير " يعني أن الأصل كان " ظَنَنْتُمْ " فعدل عن ضمير الخطاب إلى لفظ المؤمنين.
فصل المعنى : هلاَّ ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بإخوانهم " خَيْراً ".
وقال الحسن : بأهل دينهم، لأن المؤمنين كنفس واحدة، كقوله :﴿وَلاَ تَقْتُلُوا ااْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء : ٢٩] ﴿فَسَلِّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ [النور : ٦١] المعنى : بأمثالكم من المؤمنين.
وقيل : جعل المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور، فإذا جرى
٣٢٢
على أحدهم مكروه فكأنه جرى على جميعهم، كما قال عليه السلام " مَثَلُ المُسْلِمينَ في تَوَاصُلِهِمْ وتراحُمِهِمْ كمثل الجَسَد إذا وجع بعضه وجع كله بالسَّهر والحُمَّى "، وقال عليه السلام :" المؤمنُون كالبُنْيَانِ يشدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً ".
وقوله :﴿هَـاذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ أي : كذب بين.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٢٢
قوله :" لَوْلاَ جَاءُوا " : هَلاَّ جاءوا ﴿عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ أي : على ما زعموا يشهدون على معاينتهم ما رَمَوْها به ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ﴾ ولم يقيموا بينةً على ما قالوه ﴿فَأُوْلَـائِكَ عِندَ اللَّهِ﴾ أي : في حكمه " هُمُ الكَاذِبُون ".
فإن قيل : كيف يصيرون عند الله كاذبين إذا لم يأتوا بالشهداء ومن كذب فهو عند الله كاذب سواء أتى بالشهداء أو لم يأت ؟ فالجواب : معناه : كذبوهم بأمر الله.
وقيل : هذا في حق عائشة خاصة، فإنهم كانوا عند الله كاذبين.
وقيل : المعنى : في حكم الكاذبين، فإن الكاذب يجب زجره عن الكذب، والقاذف إذا لم يأت بالشهود فإنه يجب زجره، فلما (كان) شأنه (شأن) الكاذب في الزجر أطلق عليه أنه كاذب مجازاً.
قوله :﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ﴾.
" إذْ " منصوب بـ " الكَاذِبُونَ " في قوله :﴿فَأُوْلَـائِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾، وهذا كلام في قوة شرط وجزاء.
قوله :﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ﴾ من
٣٢٣
الإفك ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
(وهذا زجر) و " لَوْلاَ " هاهنا لامتناع الشيء لوجود غيره ويقال : أفاض في الحديث : اندفع وخاض.
والمعنى : ولو أني قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بالنعم التي من جملتها الإمهال، وأتَرَحَّم عليكم في الآخرة بالعفو، لعاجلتُكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك.
وقيل : المعنى : وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لمَسَّكُم العَذَابُ في الدُّنْيَا والآخرة معاً، فيكون فيه تقديم وتأخير.
وهذا الفضل هو حكم الله لمن تاب.
وقال ابن عباس : المراد بالعذاب العظيم أي : عذاب لا انقطاع له.
أي : في الآخرة لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل فقال :﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور : ١١] وقد أصابه، فإنه جلد وحدّ.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٢٣
قوله :" إذْ تَلَقَّوْنَهُ ".
" إذْ " منصوب بـ " مَسَّكُمْ " أو بـ " أَفَضْتُمْ ".
وقرأ العامة :" تَلَقَّوْنَهُ " والأصل : تَتَلَقَّوْنَهُ، فحُذِفَ إحدى التاءين كـ " تَنَزَّل " ونحوه، ومعناه : يَتَلَقَّاهُ بعضكُمْ من بعضٍ.
قال الكلبي : وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول : بلغني كذا وكذا، يتلقونه تلقياً.
قال الزجاج : يلقيه بعضهم إلى بعض.
والبَزِّي على أصله في أنه يُشَدِّدُ التَّاءَ وَصْلاً، وتقدم تحقيقه في البقرة نحو " ولا تَيَمَّمُوا " وهو هناك سهل، لأن ما قبله حرف لين بخلافه هنا.
٣٢٤