وقيل : هذه الآية نزلت في مشركي مكة حين كان بينهم وبين رسول الله عهد، فكانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا :" إنها خرجت لتفجر " فنزلت فيهم.
قوله :" يَوْمَ تَشْهَدُ "، ناصبه الاستقرار الذي تعلق به " لَهُمْ ".
وقيل : بل ناصبه " عَذَابٌ ".
ورد بأنه مصدر موصوف.
وأجيب بأن الظرف يُتَّسَعُ فيه ما لا يُتَّسَع في غيره.
وقرأ الأخوان :" يَشْهَدُ " بالياء من تحت، لأن التأنيث مجازي، وقد وقع الفصل والباقون : بالتاء مراعاة للفظ.
قوله :" يَوْمَئِذٍ " : التنوين في " إذْ " عِوَضٌ من الجملة تقديره : يَوْمئذ تَشْهَدُ، وقد تقدم خلاف الأخفش فيه.
وقرأ زيد بن علي " يُوفِيهِمْ " مخففاً من " أَوْفَى ".
وقرأ العامة بنصب " الحَقِّ " نعتاً لـ " دِينَهُمْ ".
وأبو حَيْوَة وأبو رَوْق ومجاهد - وهي قراءة ابن مسعود - برفعه نعتاً لله تعالى.

فصل قوله ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾.


قال المفسرون : هذا قبل أن يختم على أفواههم وأيديهم وأرجلهم.
يروى أنه يختم على الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا.
﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ جزاءهم الواجب.
وقيل : حسابهم العدل،
٣٣٩
﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ يبين لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا.
وإنما سُمِّيَ الله بـ " الحق " لأن عبادته هي الحق دون عبادة غيره.
وقيل : سُمِّيَ بـ " الحق " ومعناه : الموجود، لأن نقيضه الباطل وهو المعدوم، ومعنى " المُبين " : المظهر.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٣٧
قوله تعالى :" الخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ " الآية.
قال أكثر المفسرين :" الخَبِيثَاتُ " من القول والكلام " لِلْخَبِيثِينَ " من الناس، " والخَبِيثُونَ " من الناس " لِلْخَبِيثَات " من القول، " والطيبات " من القول " للطَّيِّبِينَ " من الناس، " والطَّيِّبُونَ " من الناس " لِلطَّيِّبَاتِ " من القول.
والمعنى : أنَّ الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس، والطيِّب لا يليق إلا بالطيِّب فعائشة - رضي الله عنها - لا يليق بها الخبيثات من القول، لأنها طيبة، فيضاف إليها طيبات الكلام من الثناء الحسن وما يليق بها.
وقال الزجاج : معناه : لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء، ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء وهذا ذم للذين قذفوا عائشة، ومدح للذين برّأوها بالطهار.
قال ابن زيد : معناه : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، أمثال عبد الله بن أبيّ والشاكين في الدين، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء، يريد : عائشة طيبها الله لرسوله الطيب - ﷺ - " مُبَرءُونَ " يعني : عائشة وصفوان، ذكرهما بلفظ الجمع كقوله :﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء : ١١] أي : أخوان.
وقيل :" أولئك مُبَرَّؤُونَ " يعني : الطيبين والطيبات منزهون مما يقولون.
وقيل : الرَّمْيُ تعلق بالنبي - عليه الصلاة والسلام - وبعائشة وصفوان، فبرأ الله كل واحد منهم.
٣٤٠
وقيل : المراد كل أزواج الرسول برأهن الله تعالى من هذا الإفك، ثم قال :" لَهُمْ مَغْفِرَةٌ " يعني : براءة من الله.
وقيل : العفو عن الذنوب.
والرزق الكريم : الجنة.
قوله :" لَهُمْ مَغْفِرَةٌ " يجوز أن تكون جملة مستأنفة، وأن تكون في محل رفع خبراً ثانياً.
ويجوز أن يكون " لَهُمْ " خبر " أولئك " (و) " مَغْفِرَةٌ " فاعله.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٤٠
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ الآية.
لما ذكر حكم الرمي والقذف ذكر ما يليق به، لأن أهل الإفك (إنما توصلوا) إلى بهتانهم لوجود الخلوة، فصارت كأنها طريق التهمة، فأوجب الله تعالى ألا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان والسلام، لأن الدخول على غير هذا الوجه يوقع التهمة، وفي ذلك من المضرة ما لا خفاء به.
قوله :" تَسْتَأنِسُوا " يجوز أن يكون من الاستئناس، لأنَّ الطارق يستوحش من أنه هل يؤذن له أو لا ؟ فزال استيحاشه، وهو رديف الاستئذان فوضع موضعه.
وقيل : من الإيناس، وهو الإبصار، أي : حتى تستكشفوا الحال.
وفسره ابنُ عباس :" حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا " وليست قراءة، وما ينقل عنه أنه قال :" تَسْتَأنِسُوا " خطأ من الكاتب، إنما هو (تَسْتَأْذِنُوا) فشيء مفترى عليه.
وضعفه بعضهم بأن هذا يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر، ويقتضي
٣٤١


الصفحة التالية
Icon