(وهم) ملأ منهم جلوس فقل : السلام عليكم، فلما فعل ذلك رجع إلى ربه فقال : هذه تحيتك وتحية ذريتك " وعن عليّ بن أبي طالب قال : قال رسول الله - ﷺ - " حق المسلم على المسلم ست : يسلِّم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، وينصح له بالغيب، ويشمِّته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويشهد جنازته إذا مات ".
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله - ﷺ - " إن سرَّكم أن يسل الغل من صدروكم فأفشوا السلام بينكم ".
قوله :﴿ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
أي : إن فعل ذلك خير لكم وأولى بكم من الهجوم بغير إذن " لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " أي : لتذكروا هذا التأديب فتتمسكوا به ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ﴾ أي : فإن لم تجدوا في البيوت " أَحَداً " يأذن لكم في دخولها ﴿فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ﴾ لجواز أن يكون هناك أحوال مكتومة، ﴿وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ﴾ وذلك أنه كما يكون الدخول قد يكرهه صاحب الدار، فكذلك الوقوف على الباب قد يكرهه، فلا جرم كان الأولى له أن يرجع ﴿هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾ أي : الرجوع هو أطهر وأصلح لكم.
قال قتادة : إذا لم يؤذن له فلا يقعد على الباب، فإنَّ للناس حاجات، وإذا حضر فلم يستأذن وقعد على الباب منتظراً جاز.
كان ابن عباس يأتي الأنصار لطلب الحديث فيقعد على الباب (حتى يخرج) ولا يستأذن، فيخرج الرجل ويقول :" يا ابنَ عم رسول الله لو أخبرتني " فيقول : هكذا أمرنا أن نطلب العلم.
وإذا وقف فلا ينظر من شق الباب إذا كان الباب مردوداً " لما روي أن رجلاً اطلع على النبي - ﷺ - من ستر الحجرة، وفي يد النبي - ﷺ - مدراء، فقال :" لو علمتُ أن هذا ينظرني حتى آتيه لَطَعْنتُ بالمدراء في عينه، وهل جعل الاستئذان إلا من أجل البصر " قوله :﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ أي : من الدخول بالإذن وغير الإذن.
ولما ذكر الله تعالى حكم الدور المسكونة ذكر بعده حكم الدور التي هي غير
٣٤٧
مسكونة فقال :﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾.
قال المفسرون : لما نزلت آية الاستئذان قالوا : كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام وعلى ظهر الطريق ليس فيها ساكن ؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ ﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾.
أي : بغير استئذان ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ﴾ أي : منفعة لكم.
قال محمد ابن الحنفية : إنها الخانات والرباطات وحوانيت البياعين.
وقال ابن زيد : هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق يدخلها للبيع والشراء، وهو المنفعة قال إبراهيم النخعي : ليس على حوانيت السوق إذن.
وكان ابن سيرين إذا جاء إلى حانوت السوق يقول : السلام عليكم، أأدخل ؟ ثم يلج.
وقال عطاء : هي البيوت الخربة، و " المَتَاعُ " هو قضاء الحاجة فيها من البول والغائط.
وقيل : هي جميع البيوت التي لا ساكن لها.
وقيل : هي الحمامات.
وروي أن أبا بكر قال : يا رسولَ الله، إن الله قد أنزلَ عليكَ آيةً في الاستئذان، وإنا نختلف في تجارتنا فننزل هذه الخانات، أفلا ندخلها إلا بإذن ؟ فنزلت هذه الآية.
والأصح أنه لا يمتنع دخول الجميع تحت الآية، لأن الاستئذان إنما جاء لئلا يطلع على عورة، فإن لم يخف ذلك فله الدخول، لأنه مأذون فيها عرفاً.
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ وهذا وعيد للذين يدخلون الخربات والدور الخالية من أهل الريبة.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٤١
قوله تعالى :﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ الآية.
الغض : إطباق الجفن بحيث يمنع الرؤية.
قال : ٣٨٢٦ - فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ
فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبا
وفي " مِنْ " أربعة أوجه : أحدها : أنها للتبعيض، لأنه يُعْفَى عن الناظر أول نظرة تقع من غير قصد.
والثاني : لبيان الجنس، قاله أبو البقاء.
وفيه نظر من حيث إنَّه لم يَتَقَدَّم مُبهمٌ يكونُ مُفَسَّراً بـ " مِنْ ".
الثالث : أنها لابتداء الغاية، قاله ابن عطية.
الرابع : قال الأخفش : إنها مزيدة.

فصل قال الأكثرون : المراد غض البص عما يحرم والاقتصار به على ما يحل.


فإن قيل : كيف دخلت " مِنْ " في غض البصر دون حفظ الفرج ؟ فالجواب : أن ذلك دليل على أن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن، وكذا الجواري المستعرضات، وأما أمر الفروج فمضيق.
وقيل : معنى ﴿يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ أي : ينقصوا من نظرهم بالبصر إذا لم يكن من عمله فهو مغضوض.
وعلى هذا " مِنْ " ليست زائدة، ولا هي للتبعيض، بل هي صلة للغض، يقال : غضضت من فلان : إذا نقصت منه.

فصل العورات تنقسم أربعة أقسام :


٣٤٩


الصفحة التالية
Icon