اللحم و " منكم " حال.
وكذا " مِنْ عِبادكُمْ ".
فصل قوله :" وَأَنكحوا " أمر، وظاهر الأمر للوجوب، فدلّ على أن الولي يجب عليه تزويج موليته، (وإذا ثبت هذا وجب ألا يكون النكاح إلا بولي، لأن كل ما وجب على الولي حكم بأنه لا يصح من المولية)، ولأن المولية لو فعلت ذلك لفوَّتتْ على الولي تمكنه من أداء هذا الواجب، وأنه غير جائز، ولم تطابق قوله عليه السلام :" إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَزوِّجُوهُ، إلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَة فِي الأَرْضِ " قال أبو بكر الرازي : هذه الآية وإن اقتضت الإيجاب، إلا أنه أجمع السلف على أنه لا يراد الإيجاب، ويدل عليه أمور : أحدها : أنه لو كان ذلك واجباً لنقل عن النبي - ﷺ - وعن السلف مستفيضاً، لعموم الحاجة إليه، فلما علمنا أن سائر الأعصار كانت فيهم أيامى من الرجال والنساء ولم ينكروا ذلك، ثبت أنه لم يرد الإيجاب.
وثانيها : أجمعنا على أن الأَيِّم الثيّب لو أبت التزويج لم يكن للولي إجبارها عليه.
وثالثها : اتفاق الكل على أنه لا يجب على السيد تزويج أمته وعبده، وهو معطوف على الأيامى، فدل على أنه غير واجب في الجميع، بل ندب في الجميع.
ورابعها : أن اسم الأَيَامَى يشمل الرجال والنساء، وهو في الرجال ما أريد به الأولياء دون غيرهم، كذلك في النساء.
والجواب : أن جميع ما ذكرته تخصيصات تطرقت إلى الآية، والعام بعد التخصيص حجة، فوجب إذا التمست المرأة الأيم من الولي التزويج وجب، وحينئذ ينتظم الكلام.
فصل قال الشافعي : الآيةتقتضي جواز تزويج البكر البالغة بدون رضاها، لأن الآية والحديث يدلان على أمر الولي بتزويجها ولولا قيام الدلالة على أنه تزوج الثيب الكبيرة بغير رضاها لكان جائزا له تزوجها أيضا لعموم الآية.
٣٦٥
فصل الناس في النكاح قسمان : الأول : من تتوقُ نفسُه للنكاح، فيستحب له أن ينكح إن وجد أهبته سواء كان مقبلاً على العبادة أو لم يكن، ولكن لا يجب، وإن لم يجد أهبته يكسر شهوته بالصوم لقوله عليه السلام :" يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ، مَن اسْتَطَاعَ مِنْكُم البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأحْصَنُ للفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ".
الثاني : من لا تتوق نفسه للنكاح، فإن كان لعلة من كِبَر أو مرض أو عجز فيكره له، لأنه يلتزم ما لا يمكنه القيام به، وكذلك إذا كان لا يقدر على النفقة.
وإن لم يكن به عجز وكان قادراً على القيام بحقه لم يكره له النكاح، لكن الأفضل أن يتخلّى للعبادة، لأن الله تعالى مدح يَحْيَى بكونه " حَصُوراً "، والحَصُور : الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهنّ، ولا يقال : هو الذي لا يأتي النساء مع العجز ؛ لأن مدح الإنسان بما يكون عيباً غير جائز، وإذا كان مدحاً في حق يحيى وجب أن يشرع في حقنا، لقوله تعالى :" فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ "، ولا يحمل الهدى على الأصول، لأن التقليد فيها غير جائز، فوجب حَمْلُه على الفروع.
وقال عليه السلام :" اعْلمُوا أَن خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةَ " وقال عليه السلام :" أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي قرَاءَةُ القُرْآنِ " وقال أبو حنيفة : النكاح أفضل لقوله عليه السلام :" أحبُّ المباحات إلى الله النكاح " لأن النكاح يتضمن صون النفس عن الزنا، فيكون دفعاً للضرر عن النفس.
والنافلة :
٣٦٦
جلب نفع.
ودفع الضرر أولى من جلب النفع.
وأجيب بأن يحمل الأحب على الأصلح في الدنيا، لئلا يقع التناقض بين كونه أحبّ وبين كونه مباحاً.
والمباح : ما يستوي طرفاه في الثواب والعقاب.
والمندوب : ما ترجّح وجوده على عدمه، فتكون العبادة أفضل.
وبقية المباحث مذكورة في كتب الفقه.
قوله :" مِنْكُم " أي : زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم.
وقيل : أراد الحرية والإسلام.
وقوله :﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ﴾ ظاهره يقتضي الأمر بتزويج هذين الفريقين إذا كانوا صالحين.
وخصَّ الصالحين بالذكر ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم، ولأن الصالحين منهم هم الذين مواليهم يشفقون عليهم وينزلونهم منزلة الأولاد في المودَّة، فكانوا مظنة للتوصية والاهتمام بهم.
ومن ليس بصالح فحاله على العكس من ذلك.
وقيل : أراد الصلاح لأمر النكاح حتى يقوم العبد بما يلزم لها، وتقوم الأمة بما يلزم للزوج.
وقيل : أراد بالصلاح ألا تكون صغيرة لا تحتاج إلى النكاح.
فصل ظاهر الآية يدل على أنّ العبد لا يتزوج نفسه، وإنما يتولى تزويجه مولاه، لكن ثبت بالدليل أنه إذا أمره بأن يتزوج جاز أن يتولى تزويج نفسه، فيكون توليه بإذنه بمنزلة تولي السيد.
فأما الإماء فإنَّ المولى يتولى تزويجهنَّ خصوصاً على قول من لا يجوِّز النكاح إلا بوليّ.

فصل الولي شرط في صحة النكاح لقوله عليه السلام :" لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَليّ ".


وقال عليه السلام :" أيُّمَا امرأةٌ نكحَتْ بغير إذن وليِّها فنكاحُها باطلٌ " ثلاثا، فإن
٣٦٧


الصفحة التالية
Icon