زجاجة، يعني :" القنديل " قال الزجاج : إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار فيها أبين في كل شيء، وضوؤه يزيد في الزجاج.
ثم وصف الزجاجة فقال :﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾.
والدَّرُّ : الدفع، لأن الكواكب تدفعُ الشياطينَ من السماء.
وشبيه حالة الدفع، لأنه يكون في تلك الحالة أضوأ وأنور.
وقيل :" دري " أي : طالع، يقال : درى النجم : إذا طلع وارتفع، ويقال : هو من درأ الكوكب : إذا اندفع منْقضاً فيضاعف ضوؤه في ذلك الوقت) (ويقال : درأ علينا فلان، أي : طلع وظهر.
وقيل : الدري أي ضخم مضى، ودراري النجوم : عظامها.
وقيل : الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام، وهي : زحل، والمريخ والمشتري، والزهرة وعطارد.
وقيل : الكواكب المضيئة كالزهرة والمشتري والثوابت التي في المعظم الأول.
فإن قيل : لم شبهه بالكوكب ولم يشبهه بالشمس والقمر ؟.
فالجواب لأن الشمس والقمر يلحقها الخسوف، والكواكب لا يلحقها الخسوف.
" توقّد " يعني : المصباح، أي : اتَّقَدَ.
ويقال : توقدت النار، أي : اتقدت، يعني : نار الزجاجة، لأن الزجاجة لا توقد.
هذا على قراءة من ضم التاء وفتح القاف.
وأما على قراءة الآخرين فـ " توقد " يعني المصباح ﴿مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ أي : من زيت شجرة مباركة، فحذف المضاف بدليل قوله :﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ﴾.
وأراد بالشجرة المباركة : الزيتون وهي كثيرة البركة والنفع : لأن الزيت يسرج به وهو أضوأ وأصفى الأدهان، وهو إدام وفاكهة، ولا يحتاج في استخراجه إلى عصار، بل كل أحد يستخرجه.
وقيل : أول شجرة نبتت بعد الطوفان، وبارك فيها سبعون نبياً منهم الخليل.
وجاء في الحديث أنه مصحة من الباسور، وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها.
وقال عليه السلام :" كُلُوا الزَّيْتَ وادهنُوا بِهِ فإِنَّهُ من شَجَرة مُبَارَكةٍ ".
٣٨٨
وقيل : المراد زيتون الشام، لأنه في الأرض المباركة فلهذا جعل الله هذه الشجرة بأنها ﴿لا شرقية ولا غربية﴾ واستدلوا على ذلك بوجوه : أحدها : أن الشام وسط الدنيا، فلا توصف شجرتها بأنها شرقية أو غربية.
وهذا ضعيف، لأن من قال :" الأرض كرة " لم يثبت للمشرق والمغرب موضعين معينين، بل لكل بلد مشرق ومغرب على حدة، لأن المثل مضروب لكل من (يعرف، الزيت) وقد) يوجد في غير الشام كوجوده فيه.
وثانيها : قال الحسن :" لأنها من شجر الجنة، إذ لو كانت من شجر الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية ".
وهذا أيضاً ضعيف، لأنه تعالى إنما ضرب المثل بما شاهدوه، وهم ما شاهدوا شجر الجنة.
وثالثها : أنها شجرة يلتف بها ورقها التفافاً شديداً، ولا تصل الشمس إليها سواء كانت الشمس شرقية أو غربية، وليس في الشجر ما يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمان.
وهذا أيضاً ضعيف، لأن الغرض صفاء الزيت، وذلك لا يحصل إلا بكمال نضج الزيتون، وذلك إنما يحصل في العادة بوصول أثر الشمس إليه لا بعدم وصوله.
ورابعها : قال ابن عباس :" المراد الشجرة التي تبرز على جبل عال، أو صحراء واسعة، فتطلع الشمس عليها حالتي الطلوع والغروب ".
وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة.
وقال الفراء والزجاج :" لا شرقية وحدها ولا غربية وحدها، ولكنها شرقية غربية، كما يقال : فلان لا مسافر ولا مقيم، إذا كان يسافر ويقيم، أي : تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها، فتكون شرقية غربية تأخذ حظها من الأمرين، فيكون زيتها أضوأ، كما يقال : فلان ليس بأسود ولا أبيض، يريد : ليس بأسود خالص ولا بأبيض خالص، بل اجتمع فيه الأمران، وهذا الرمان ليس بحلو ولا حامض، أي : اجتمع فيه الحلاوة والحموضة ".
وهذا هو المختار، لأن الشجرة إذا كانت كذلك كان زيتها في نهاية الصفاء، وحينئذ يكون مقصود التمثيل أتم.
وقيل : المراد بـ " المِشْكَاة " صدر محمد، (و " الزجاجة " قلب محمد) و " المصباح " ما في قلب محمد من الدين، ﴿يوقد من شجرة﴾ يعني :
٣٨٩
﴿واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [النساء : ١٢٥] والشجرة : إبراهيم، ثم وصف إبراهيم بقوله :﴿لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ﴾ أي : لا يصلي قبل المشرق ولا قبل المغرب كاليهود والنصارى، بل كان عليه السلام يصلي إلى الكعبة، ثم قال :﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ لأن الزيت إذا كان خالصاً ثم رئي من بعيد يرى كأن له شعاعاً، فإذا مسته النار ازْدَاد ضَوءاً على ضوئه كذلك.
قال ابن عباس :" يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد نوراً على نور، وهدى على هدى ".
وقال الضحاك :" يكاد محمد يتكلم بالحكمة قبل الوحي ".
قال عبد الله بن رواحة : ٣٨٣٤ - لَوْ لَمْ تَكُنْ فيه آياتٌ مبينةٌ
كانتْ بديهتُه تُنْبِيكَ بالخَبر
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٨٠


الصفحة التالية
Icon