بالذكر في هذه المساجد، لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد.
" لاَ تُلْهِيهِمْ " : تشغلهم، " تِجَارَةٌ " قيل : خص التجارة بالذكر، لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات.
قال الحسن : أما والله إنهم كانوا يتجرون، ولكن إذا جاءتهم فرائض الله لم يلههم عنها شيء، فقاموا بالصلاة والزكاة.
فإن قيل : البيع داخل في التجارة، فلم أعاد البيع ؟ فالجواب من وجوه : الأول : أن التجارة جنس يدخل تحته أنواع الشراء والبيع، وإنما خص البيع بالذكر لأن الالتهاء به أعظم، لكون الربح الحاصل من البيع معين ناجز، والربح الحاصل من الشراء مشكوك مستقبل.
الثاني : أن البيع تبديل العرض بالنقدين، والشراء بالعكس، والرغبة في تبديل النقد أكثر من العكس.
الثالث : قال الفراء : التجارة لأهل الجَلْب، يقال : تجر فلان في كذا : إذا جلب من غير بلده، والبيع ما باعه على يديه.
الرابع : أراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعاً، لأنه ذكر البيع بعده كقوله تعالى :﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً﴾ [الجمعة : ١١] يعني : الشراء.
قوله :﴿عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ عن حضور المساجد لإقامة الصلاة.
فإن قيل : فما معنى قوله :" وَإقَامِ الصَّلاَةِ ؟ " فالجواب قال ابن عباس : المراد بإقامة الصلاة : إقامتها لمواقيتها، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة.
ويجوز أن يكون قوله :" الصَّلاَة " تفسيراً لذكر الله، فهم يذكرون قبل الصلاة.
قال الزجاج : وإنما حذفت الهاء، لأنه يقال : أقمت الصلاة إقامة، وكان الأصل : إقواماً، ولكن قُلِبَت الواو ألفاً، فاجتمعت ألفان، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين فبقي : أقَمْتُ الصلاة إقاماً، فأدخلت الهاء عوضاً عن المحذوف، وقامت الإضافة هاهنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة وهذا إجماع من النحويين.
٣٩٦
فصل المراد : الصلوات المفروضة لما روى سالم (عن) ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم، فدخلوا المسجد، فقال ابن عمر : فيهم نزلت هذه الآية :﴿رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ﴾.
وقوله :" وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ " يريد : المفروضة.
قال ابن عباس : إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها.
وروي عن ابن عباس أيضاً : المراد من الزكاة : طاعة الله والإخلاص.
وهذا ضعيف لأنه تعالى علق الزكاة بالإيتاء، وهذا لا يحتمل إلا ما يعطى من حقوق المال.
قوله :" يخَافُونَ يَوْماً " يجوز أن يكون نعتاً ثانياً لـ " رِجَالٌ "، وأن يكون حالاً من مفعول " تُلْهِيهِمْ " و " يَوْماً " مفعول به لا ظرف على الأظهر، و " تَتَقَلَّبُ " صفة لـ " يَوْماً ".
قوله :﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر وتنفتح الأبصار من الأغطية بعد أن كانت مطبوعة عليها لا تبصر، وكلهم انقلبوا من الشك إلى اليقين، كقوله :﴿وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر : ٤٧] وقوله :﴿لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق : ٢٢].
وقيل : تتقلب القلوب تطمع في النجاة وتخشى الهلاك، وتتقلب الأبصار من أي ناحية يؤخذ أمن ناحية اليمين أم من ناحية الشمال ؟ ومن أي ناحية يعطون كتابهم، أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال ؟ والمعتزلة لا يرضون بهذا التأويل، لأنهم قالوا : إن أهل الثواب لا خوف عليهم البتة، وأهل العقاب لا يرجون العفو.
وقيل : إن القلوب تزول من أماكنها فتبلغ الحناجر، والأبصار تصير زرقاً.
وقيل : تقلب البصر : شخوصه من هول الأمر وشدته.
٣٩٧


الصفحة التالية
Icon