أحدها : أن الدب يرمي بالحجارة ويأخذ العصا ويرمي الإنسان حتى يتوهم أنه مات فيتركه، وربما عاود يشمه ويتحسس نفسه ويصعد الشجر أخف صعود ويهشم الجوز بين كفيه تعريضاً بالواحد وصدمة بالأخرى، ثم ينفخ فيه فيدرأ قشره ويتغذى به، ويحكى عن الفأر في سرقته أمور عجيبة.
وثانيها : أمر النحل وما لها من الرياسة والبيوت المسدسة التي لا يتمكن من بنائها أفاضل المهندسين.
وثالثها : انتقال الكَرَاكِيّ من طرف من أطراف العالم إلى الطرف الآخر طلباً لما يوافقها من الأهوية، ويقال : من خواص الخيل أن كل واحد يعرف صوت الفرس الذي قابله وقتاً ما، والفهد إذا سقي أو شرب من الدواء المعروف بخانق الفهد عمد إلى زبل الإنسان ليأكله، والتماسيح تفتح أفواهها لطائر يقع عليها يقال له : القطقاط وينظف ما بين أسنانها، وعلى رأس ذلك الطائر كالشوكة، فإذا هم التمساح بالتقام ذلك الطير تأذى من تلك الشوكة، فيفتح فاه، فيخرج ذلك الطائر، والسلحفاة تتناول بعد أكل الحية صعتراً جبلياً ثم تعود من ذلك.
وحكى بعض الثقاة المجربين للصيد أنه شاهد الحبارى تقاتل الأفعى وتنهزم عنه إلى بقلة تتناول منها ثم تعود، ولا تزال كذلك، وكان ذلك الشخص قاعداً في كن، وكانت البقلة قريبة من مسكنه، فلما اشتغل الحبارى قلع البقلة، فعاد الحبارى إلى منبتها فلم يجدها، وأخذ يدور حول منبتها دوراناً متتابعاً حتى خَرَّ ميتاً، فعلم الشخص أنه يعالج بأكلها من اللسعة، وتلك البقلة هي الجرجير البري.
وابنُ عِرْس يستظهر في الحية أكل السّذَاب، فإن النكهة السذابية تنفر عنها الأفعى.
والكلاب إذا دودت بطونها أكلت سنبل القمح.
وإذا جرحت اللقالق بعضها
٤١٢
بعضاً داوت الجراحة بالصعتر الجبلي.
والقنافذ تحس بالشمال والجنوب قبل الهبوب فتغير المدخل إلى جحرها، وكان رجل بالقسطنطينية قد أثرى بسبب أنه ينذر بالرياح قبل هبوبها، وينتفع الناس بإنذاره، وكان السبب فيه قنفذ في داره يفعل الصنيع المذكور، فيستدل به.
والخُطَّاف صانع في اتخاذ العش من الطين وقطع الخشب فإن أعوزه الطين ابتل وتمرغ في التراب لتحمل جناحاه قدراً من الطين، وإذا فرَّخ بالغ في تعهد الفراخ، وتأخذ ذرقها بمنقارها وترميها عن العش، وإذا دنا الصائد من مكان فراخ القبجة ظهرت له القبحة وقربت مطمعة له ليتبعها ثم تذهب إلى جانب آخر سوى جانب الفراخ.
وناقر الخشب قلما يقع على الأرض، بل على الشجر ينقر الموضع يعلم أن فيه دوداً.
والغرانيق تصعد في الجو عند الطيران، فإن حجب بعضها عن بعض سحاب أو ضباب أحدثت عن أجنحتها حفيفاً مسموعاً يتبع به بعضهم بعضاً، فإذا باتت على جبل فإنها تضع رؤوسها تحت أجنحتها إلاّ القائد فإنه ينام مكشوف الرأس فيسرع انتباهه، وإذا سمع جرساً صاح.
وحال النمل في الذهاب إلى مواضعها على خط مستقيم يحفظ بعضها بعضاً أمر عجيب، وإذا كشف عن بيوتهم الساتر الذي كان يستره وكان تحته بيض لهم، فإن كلّ نملة تأخذ بيضة في فمها وتذهب في أسرع وقت.
والاستقصاء في هذا الباب مذكور في كتاب " طبائع الحيوان ".
والمقصود من
٤١٣
ذلك أن الفضلاء من العقلاء يعجزون عن أمثال هذه الحيل، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يقال : إنها تسبح الله وتثني عليه وإن كانت غير عارفة بسائر الأمور التي يعرفها الناس، ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿وَلَـاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء : ٤٤].
ثم قال :﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾.
قرأ الجمهور بالياء من تحت على المبالغة في وصف قدرة الله تعالى وعلمه بخلقه.
وقرأ عيسى والحسن بالتاء من فوق، ففيه المعنى المذكور وزيادة الوعيد والتخويف من الله تعالى وفي مصحف أبيّ وابن مسعود :" والله بصير بما تفعلون ".
قوله تعالى :﴿وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ تنبيه على أن الكل منه، لأن كل ما سواه ممكن ومحدث، والممكن والمحدث لا يوجد إلا عند الانتهاء إلى القديم الواجب، ويدخل في هذا جميع الأجرام والأعراض، وأفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم.
وقوله :﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ وهذا دليل على المعاد، وأنه لا بُدَّ من مصير الكل إليه.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٠٩
وهذه الرؤية بصرية.
والإزْجَاءُ : السوق قليلاً قليلاً، ومنه البضاعة المزجاة التي يزجيها كل أحد، وإزجاء السير في الإبل : الرفق بها حتى تسير شيئاً شيئاً.
قوله :" بَيْنَهُ " إنما دخلت " بَيْنَ " على مفرد، وهي إنَّما تدخل على مثنى فما فوقه، لأنَّه إما أن يُرَاد بالسحاب : الجنس، فعاد الضمير عليه على حكمه، وإما أن يراد حذف مضافه أي : بَيْنَ قطعِهِ، فإن كل قطعة سحابة.
قال ابن عطية : بين مُفترق السحاب، لأن مفهوم السحاب يقتضي أن بينه فروجاً.
وورش عن نافع لا يهمز
٤١٤


الصفحة التالية
Icon