أي هم كذلك، ﴿أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ أي : يظلم ﴿بَلْ أُوْلَـائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، لأنفسهم بإعراضهم عن الحق.
قال الحسن بن أبي الحسن : من دعا خصمه إلى حكم من أحكام المسلمين فلم يجب، فهو ظالم فإن قيل : إذا خافوا أن يحيف الله عليهم ورسوله فقد ارتابوا في الدين، وإذا ارتابوا ففي قلوبهم مرض، فالكل واحد، فأي فائدة في التعديد ؟ فالجواب : قوله :﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ إشارة إلى النفاق، وقوله :" أَم ارْتَابُوا " إشارة إلى أنهم بلغوا في حب الدنيا إلى حيث يتركون الدين بسببه.
فإن قيل : هذه الثلاثة متغايرة ولكنها متلازمة، فكيف أدخل عليها كلمة " أم " ؟ فالجواب الأقرب أنه تعالى أنبههم على كل واحدة من هذه الأوصاف، فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق، وكان فيها شك وارتياب، وكانوا يخافون الحيف من الرسول، وكل واحد من ذلك كفر ونفاق، ثم بين تعالى بقوله :﴿بَلْ أُوْلَـائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ بطلان ما هم عليه، لأن الظلم يتناول كل معصية، كما قال تعالى :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان : ١٣].
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٢٦
قوله تعالى :﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
العامة على نصب " قَوْلَ " خبراً لـ " كَانَ "، والاسم " أنْ " المصدرية وما بعدها.
وقرأ أمير المؤمنين والحسن وابن أبي إسحاق برفعه على أنه الاسم، و " أَنْ " وما في حَيِّزها الخبر، وهي عندهم مرجُوحَةٌ، لأنه متى اجتمع مَعْرِفَتَان فالأولى جعل الأعرف الاسم، وإن كان سيبويه خيَّر في ذلك بين كل
٤٢٩
معرفتين، ولم يفرِّق هذه التفرقة، وتقدم تحقيق هذا في " آل عمران ".
فصل قوله :﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا ااْ إِلَى اللَّهِ﴾ أي : إلى كتاب الله ﴿وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ وهذا ليس على طريق الخبر، ولكنه تعليم أدب الشرع، بمعنى أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا هكذا، ﴿أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ أي : سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة، ﴿وَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ قال ابن عباس : فيما ساءه وسره " وَيخْشَى اللَّهَ " فيما صدر عنه من الذنوب في الماضي " وَيَتَّقِه " فيما بقي من عمره ﴿فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْفَآئِزُون﴾ الناجون.
قوله :" وَيَتَّقِهِ ".
القراء فيه بالنسبة إلى القاف على مرتبتين : الأولى : تسكينُ القاف، ولم يقرأ بها إلاّ حفص.
والباقون بكسرها.
وأما بالنسبة إلى هاء الكناية فإنهم فيها على خمس مراتب : الأولى : تحريكُهَا مَفْصُولةً قولاً واحداً، وبها قرأ ورشٌ وابن ذَكْوَانَ وخَلَفٌ وابن كثير والكسائيّ.
الثانية : تسكينها قولاً واحداً، وبها قرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم.
الثالثة : إسكان الهاء أو وصلها بياء، وبها قرأ خلاَّد.
٤٣٠
الرابعة : تحريكها من غير صلة، وبها قرأ قالون وحفص.
الخامسة : تحريكها موصولة أو مقصورة، وبها قرأ هشام.
فأمَّا إسكان الهاء وقصرها وإشباعها فقد مرَّ تحقيقه مستوفًى.
وأما تسكين القاف فإنهم حملوا المنفصل على المتَّصل، وذلك أنهم يُسَكِّنُون عين " فَعل " فيقولون : كَبْد، وكتف، وصبر في كَبِد وكَتِف وصبِر، لأنها كلمة واحدة، ثم أجري ما أشبه ذلك من المنفصل مُجْرَى المتصل، فإن " يَتَّقِه " صار منه " تَقِه " بمنزلة " كَتِف " فسكن كما يسكن، ومنه :
٣٨٤٩ - قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقَا
بسكون الراء كما سكن الآخر :
٣٨٥٠ - فَبَاتَ مُنْتَصباً وَمَا تَكَرْدَسَا
وقول الآخر : ٣٨٥١ - عَجِبْتُ لمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ
وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٢٩
يريد :" مُنْتَصِباً "، و " لَمْ يَلِدْهُ ".
٤٣١
وتقدم في أول البقرة تحرير هذا الضابط في قوله :" فهي كالحجارة " و " هي " و " هو " ونحوها : وقال مكيٌّ : كان يجب على من سَكَّنَ القاف أن يضُمَّ الهاء، لأنَّ هاء الكناية إذا سُكِّن ما قبلها ولم يكن الساكن ياءً ضُمَّتْ نحو " مِنْهُ " و " عَنْهُ "، ولكن لما كان سكون القاف عارضاً لم يعتدَّ به، وأبقى الهاء على كسرتها التي كانت عليها مع كسر القاف، ولم يصلها بياء، لأنَّ الياء المحذوفة قبل الهاء مُقَدَّرَةٌ مَنْويَّةٌ، (فبقي الحذف الذي في الياء قبل الهاء على أصله).
وقال الفارسيُّ : الكسرة في الهاء لالتقاء الساكنين، وليست الكسرة التي قبل الصلة، وذلك أنَّ هاء الكناية ساكنةٌ في قراءته، ولما أَجْرَى " تَقِهِ " مجرى كَتِفٍ، وسكَّن القاف التقى ساكنان، ولمَّا التقيا اضطر إلى تحريك أحدهما، فإمَّا أن يحرِّك الأول أو الثاني، (و) لا سبيل إلى تحريك الأول، لأنه يعود إلى ما فرَّ منه، وهو ثقل " فَعِل " فحرَّك ثانيهما (على غير) أصل التقاء الساكنين، فلذلك كسر الهاء، ويؤيده قوله : ٣٨٥٢ -........................


الصفحة التالية
Icon