..................
لَمْ يَلْدَه أبَوَانِ
وذلك أن أصله : لم " يَلِدْه " بكسر اللام وسكون الدال للجزم، ثم لما سكن اللام التقى ساكنان، فلو حرك الأول لعاد إلى ما فرَّ منه، فحرك ثانيهما وهو الدال، وحركها بالفتح وإن كان على خلاف أصل التقاء الساكنين مراعاة لفتحة الياء.
وقد ردَّ أبو القاسم بن فيره قول الفارسي وقال : لا يصحُّ قوله : إنه كسر الهاء لالتقاء الساكنين، لأن حفصاً لم يسكِّن الهاء في قراءته قطُّ وقد رد أبو عبد الله شارح قصيدته هذا الردَّ، وقال : وعجبت من نفْيِهِ الإسكان عَنْهُ مع ثُبُوتِهِ عَنْهُ في " أَرْجِهْ " و " فَأَلْقِهْ "، وإذا قَرَأَهُ في " أَرْجِهْ " و " فَأَلْقِهْ " احتمل أن يكون " يَتَّقِهْ " عنده قبل سكون
٤٣٢
القاف كذلك، وربما يرجَّحَ ذلك بما ثبت عن عاصم من قراءته إيَّاه بسكون الهاء مع كسر القاف.
قال شهاب الدين : لم يَعْنِ الشاطبيُّ بأنَّه لم يسكن الهاء قطّ، الهاء من حيث هي هي، وإنما (عَنَى هَاء) " يَتَّقِهْ " خاصة، وكان الشاطبيّ أيضاً يعترض التوجيه الذي تقدم عن مكيّ، ويقول : تعليله حذف الصلة بأن الياء المحذوفة قبل الهاء مقدَّرةٌ منويَّةٌ، فبقي في حذف الصلة بعد الهاء على أصله غير مستقيم من قبل أنَّه قرأ " يُؤَدِّهِي " وشبَّهه بالصلة، ولو كان يعتبر ما قاله من تقدير الياء قبل الهاء لم يصلها.
قال أبو عبد الله : هو وإن قرأ " يُؤَدِّ هِي " وشبَّهَهُ بالصلة فإنه قرأ :" يَرْضَهُ " بغير صلةٍ، فَألحق مكيّ " يَتَّقِه " بـ " يَرْضَهْ "، وجعله مما خرج فيه عن نظائره لاتّباع الأثر، والجمع بين اللغتين، ويرجح ذلك عنده لأنّ اللفظ عليه، ولما كانت القاف في حكم المكسورة بدليل كسر الهاء بعدها صار كأنه " يَتَّقِهِ " بكسر القاف والهاء من غير صلةٍ، كقراءة قالون وهشام في أحد وجهيه، فعلَّله بما يُعَلَّل به قراءتهما، والشاطبيُّ يرجح عنده حمله على الأكثر مما قرأ به، لا على ما قلَّ وندر، فاقتضى تعليله بما ذكر.
قوله تعالى :﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾.
في " جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ " وجهان : أحدهما : أنه منصوب على المصدر بدلاً من اللفظ بفعله، إذ أصل : أقسم بالله جهد اليمين : أقسم بجهد اليمين جهداً، فحذف الفعل وقدَّم المصدر موضوعاً موضعه، مضافاً إلى المفعول كـ " ضَرْبَ الرِّقَابِ "، قاله الزمخشري.
والثاني : أنه حال، تقديره : مُجتهدين في أيمانهم، كقولهم : افعل ذلك جهدك وطاقتك.
وقد خلط الزمخشريّ الوجهين فجعلهما وجهاً واحداً فقال بعد ما تقدَّم عنه : وحكم هذا المنصوب حكم الحال، كأنه قيل : جاهدين أيمانهم وتقدم الكلام على " جَهْد أيْمَانِهِم " في المائدة.
٤٣٣
فصل قال مقاتل : من حلف بالله فقد أجهد في اليمين، وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله - ﷺ - :" أينما كنت نكن معك، لئن خرجت خرجنا، وإن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا " فقال الله تعالى :" قُلْ " لهم " لاَ تُقْسَمُوا " لا تحلفوا، وهاهنا تم الكلام.
ولو كان قسمهم لما يجب لم يجز النهي عنه، لأنّ من حلف على القيام بالبر والواجب لا يجوز أن ينهى عنه، فثبت أنّ قسمهم كان لنفاقهم، وكان باطنهم بخلاف ظاهرهم، ومن نوى الغدر لا الوفاء فقسمه قبيح.
قوله :" طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ".
في رفعها ثلاثة أوجه : أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره :" أَمْرُنَا طَاعَةٌ "، أو " المطلوب طَاعَةٌ ".
والثاني : أنها مبتدأ والخبر محذوفٌ، أي :(أَمْثَل أَوْ أَوْلَى).
وقد تقدَّم أَنَّ الخبر متى كان في الأصل مصدراً بدلاً من اللفظ بفعل وجب حذف مبتدأه، كقوله :" صَبْرٌ جَمِيلٌ "، ولا يبرز إلاّ اضطراراً، كقوله : ٣٨٥٣ - فَقَالَتْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ أَمرُكَ طَاعَةٌ
وإنْ كُنْتُ قَدْ كُلِّفْتُ مَا لَمْ أُعَوَّدِ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٢٩
على خلاف في ذلك.
والثالث : أن يكون فاعله بفعل محذوف، أي : ولتكن طاعة، ولتوجد طاعة.
٤٣٤
واستضعف ذلك بأنَّ الفعل لا يحذف إلاَّ (إذا) تقدَّم مشعر به، كقوله :﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ [النور : ٣٦] في قراءة من بناه للمفعول، أي : يُسَبِّحُهُ رِجَالٌ.
أو يجاب به نفيٌ، كقولك : بلى زيدٌ لمن قال :" لم يقم أحدٌ ".
أو استفهام كقوله : ٣٨٥٤ - أَلاَ هَلْ أَتَى أُمَّ الحُوَيْرِثِ مُرْسَل
بَلَى خَالِدٌ إنْ لَمْ تَعُقْه العَوَائِق


الصفحة التالية
Icon