وقرأ زيد بن علي واليزيديّ :" طاعةً " بنصبها بفعل مضمر، وهو الأصل.
قال أبو البقاء : ولو قرئ بالنصب لكان جائزاً في العربية، وذلك على المصدر، أي : أطيعوا طاعةً وقولوا قولاً، وقد دلَّ عليه قوله بعدها :﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ﴾ قال شهاب الدين :(قوله :(ولو قرئ بالنصب لكان جائزاً) قد تقدم النقل لقراءته).
وأما قوله :(وقولوا قولاً) فكأنه سبق لسانه إلى آية القتال، وهي :﴿فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ [محمد : ٢٠ - ٢١] ولكن النصب هناك ممتنع أو بعيد.
فصل المعنى : هذه طاعة بالقول باللسان دون الاعتقاد، وهي معروفة، أي : أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون، قاله مجاهد.
وقيل : طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل.
وقال مقاتل بن سليمان : لتكن
٤٣٥
منكم طاعة معروفة.
هذا على قراءة الرفع.
وأما على قراءة النصب فالمعنى : أطيعوا الله طاعةً و ﴿اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي : لا يخفى عليه شيء من سرائركم، فإنه فاضحكم لا محالة، ومجازيكم على نفاقكم، ثم قال :﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ (وَأَطِيعُواْ) الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أي : عن طاعة الله ورسوله " فَإِنَّمَا عَلَيْه " أي : على الرسول " مَا حُمِّلَ " كلِّف وأمر به من تبليغ الرسالة ﴿وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ من الإجابة والطاعة.
وقرأ نافع في رواية :﴿فَإنَّمَا عَلَيْهِ مَا حَمل﴾ بفتح الحاء والتخفيف أي : فعليه إثم ما حمل من المعصية.
﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ﴾ أي : تصيبوا الحق، وإن عصيتموه، فـ ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾، و " البَلاَغُ " بمعنى : التبليغ.
و " المُبِينُ " : الواضح.
قوله :" فَإِنْ تَوَلَّوا " يجوز أن يكون ماضياً، وتكون الواو ضمير الغائبين ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة، وحسَّن الالتفات هنا كونه لم يواجههم بالتولِّي والإعراض، وأن يكون مضارعاً حذفت إحدى تاءيه، والأصل :" تَتَوَلَّوا "، ويُرَجّح هذا قراءة البزِّيِّ : بتشديد (التاء " فَإنْ) تَّولَّوا ".
وإن كان بعضهم يستضعفها للجمع بين ساكنين على غير حدِّهما.
ويرجّحه أيضاً الخطاب في قوله :﴿وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ﴾، ودعوى الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ثانياً بعيد.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٢٩
قوله تعالى :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ الآية.
تقدير النظم : بلِّغ أيها الرسول وأطيعوا أيها المؤمنون فقد ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ﴾ أي : الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح أن يستخلفهم في الأرض فيجعلهم الخلفاء والغالبين والمالكين، كما استخلف عليها من قبلهم في زمن داود
٤٣٦


الصفحة التالية
Icon