وسليمان عليهما السلام - وغيرهما، وأنه يمكن لهم دينهم، وتمكينه ذلك بأن يؤيدهم بالنصر والإعزاز، ويبدلهم من بعد خوفهم من العدوّ أمناً، بأن ينصرهم عليهم فيقتلوهم، ويأمنوا بذلك شرهم.
قال أبو العالية : مكث النبي - ﷺ - بعد الوحي بمكة عشر سنين مع أصحابه، وأمروا بالصبر على أذى الكفار، فكانوا يصبحون ويمسون خائفين، ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة، وأمروا بالقتال، وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم سلاحه، فقال رجل منهم : ما يأتي علينا يوم نأمن فيه، ونضع السلاح فأنزل الله هذه الآية :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾ أدخل اللام لجواب اليمين المضمرة، يعني : والله ليستخلفنهم في الأرض ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم فيجعلهم ملوكها وسكانها ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾.
(قال قتادة : داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء.
وقيل) :﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ يعني : بني إسرائيل، حيث أهلك الجبابرة بمصر والشام، وأورثهم أرضهم وديارهم.
روى عدي بن حاتم قال :" أتينا عند النبي - ﷺ - إذ أتى إليه رجل فشكى إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع النسل، فقال :" يا عدي هل رأيت الحيرة ؟ " قلت : لم أرها وقد أتيت فيها : قال :" فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله " قلت فيما بيني وبين نفسي : فأين قد سعوا البلاد، " وإن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى ".
قلت : كسرى بن هرمز، " ولئن طالت بك حياة لترين الرجل من مكة يخرج ملأ كفه من ذهب، أو ذهب يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله، وليلقين الله أحدكم يوم القيامة وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، وليقولن :" ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك ؟ فيقول : بلى، فيقول : ألم أعطك مالاً وأتفضل عليك " فيقول : بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا الجنة، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم " قال عدي : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد تمراً فبكلمة طيبة " - قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله تعالى وكنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي - ﷺ - " يخرج (الرجل ملأ كفه) ".
٤٣٧
قوله :" لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ " فيه وجهان : أحدهما : هو جواب قسم مضمر، أي : أقسم ليستخلفنهم، ويكون مفعول الوَعْدِ محذوفاً تقديره : وَعَدَهُم الاسْتِخْلاَف، لدلالة قوله :" لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ " عليه.
والثاني : أن يُجْرَى " وَعَدَ " مجرى القسم لتحقُّقه، فلذلك أجيب بما يجاب به القسم.
قوله :" كَمَا اسْتَخْلَفَ " أي : اسْتِخْلاَفاً كَاسْتِخْلاَفِهِمْ.
والعامة على بناء اسْتَخْلَفَ للفاعل.
وأبو بكر بناه للمفعول.
فالموصول منصوب على الأول ومرفوع على الثاني.
قوله :" ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ ".
قرأ ابن كثير وأبو بكر :" وَليُبْدلَنَّهُمْ " بسكون الباء وتخفيف الدال من أبدل وتقدم توجيهها في الكهف في قوله :﴿أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ [الكهف : ٨١].
قوله :" يَعْبُدُونَنِي " فيه سبعة أوجه : أحدها : أنه مستأنف، أي : جواب لسؤالٍ مقدر، كأنه قيل : ما بالهم يُسْتَخْلَفُونَ ويؤمنون ؟ فقيل :" يَعْبُدُونَنِي ".
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي : هم يَعْبُدُونَنِي، والجملة أيضاً استئنافية تقتضي المدح.
الثالث : أنه حال من مفعول " وَعَدَ اللَّهُ ".
الرابع : أنه حال من مفعول " لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ".
٤٣٨


الصفحة التالية
Icon