حق الرحم، إذ العورة تنقسم أقساماً وتختلف بالإضافات.
فصل هذه الإباحة مقصورة على الخدم دون غيرهم.
وقوله :﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ﴾ هذا الحكم مختص بالصغار دون البالغين، لقوله بعد ذلك :﴿وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾.
قوله :﴿وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ﴾ أي : الاحتلام، يريد : الأحرار الذين بلغوا " فَلْيَسْتَأْذِنُوا " أي : يستأذنون في جميع الأوقات في الدخول عليكم ﴿كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأحرار (الكبار).
وقيل يعني الذين كانوا مع إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ﴿كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ دلالاته.
وقيل : أحكامه " واللَّهُ عَلِيمٌ " بأمور خلقه " حَكِيمٌ " بما دبر لهم.
قال سعيد بن المسيب : يستأذن الرجل على أمه، فإنما أنزلت الآية في ذلك وسئل حذيفة : أيستأذن الرجل على والدته ؟ قال :" نعم وإن لم تفعل رأيت منها ما تكره ".
قوله :﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ﴾.
القواعدُ : من غير تاء تأنيث، ومعناه : القواعدُ عن النكاح، أو عن الحيض، أو عن الاستمتاع، أو عن الحبل، أو عن الجميع ولولا تخصيصهُنَّ بذلك لوجبت التاء نحو ضاربة وقاعدة من القعود المعروف.
٤٥٤
وقوله :" مِنَ النِّسَاءِ " وما بعده بيان لهن.
و " القَوَاعِدُ " مبتدأ، و " مِنَ النِّسَاءِ " حال، و " اللاَّتِي " صفة القواعد لا للنساء، وقوله :" فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ "، الجملة خبر المبتدأ، وإنما دخلت الفاء لأن المبتدأ موصوف بموصول، لو كان ذلك الموصول مبتدأ لجاز دخولها في خبره، ولذلك منعت أن تكون " اللاتي " صفة للنساء، إذ لا يبقى مسوغ لدخول الفاء في خبر المبتدأ.
وقال أبو البقاء : ودخلت الفاءُ لما في المبتدأ من معنى الشرط، لأن الألف واللام بمعنى الذي وهذا مذهب الأخفش، وتقدم تحقيقه في المائدة، ولكن هنا ما يُغني عن ذلك، وهو وصف المبتدأ بالموصول المذكور، و " غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ " حال من " عليهن ".
(والتَّبرُّجُ الظهور من البُرْج) وهو البناء الظاهر، والتبرج : سعة العين يرى بياضها محيطاً بسوادها كله، لا يغيب منه شيء والتبرج : إظهار ما يجب إخفاؤه بأن تكشف المرأة للرجال (بإبداء) زينتها وإظهار محاسنها.
و " بزينة " متعلق به.
قوله :" وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ " مبتدأ بتأويل :" اسْتِعْفَافُهُنَّ "، و " خَيْرٌ " خبره.
فصل قال المفسرون : القواعد : هن اللواتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر، ولا مطمع لهن في الأزواج.
والأولى ألا يعتبر قعودهن عن الحيض، لأن ذلك ينقطع، والرغبة فيهن باقية، والمراد : قعودهن عن الأزواج، ولا يكون ذلك إلا عند بلوغهن إلى حيث لا يرغب فيهن الرجال لكبرهن قال ابن قتيبة : سميت المرأة قاعداً إذا كبرت، لأنها تكثر القعود وقال ربيعة : هنَّ العجز اللواتي إذا رآهنَّ الرجل استقذرهن، فأما من كانت فيها بقية من جمال، وهي محل الشهوة، فلا تدخل في هذه الآية.
﴿فَلَيْسَ
٤٥٥
عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ﴾ عند الرجال، يعني : يضعن بعض ثيابهن، وهي الجلباب، والرداء الذي فوق الثياب، والقناع الذي فوق الخمار، فأما الخمار فلا يجوز وضعه لما فيه من كشف العورة.
وقرأ عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب :﴿أن يضعن من ثيابهن﴾.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ :﴿أن يضعن جلابيبهن﴾.
وعن السدي عن شيوخه : أن يضعن خمرهن عن رؤوسهن وإنما خصهن الله بذلك لأن التهم مرتفعة عنهن، وقد بلغن هذا المبلغ، فلو غلب على ظنهن خلاف ذلك لم يحل لهنّ وضع الثياب، ولذلك قال :﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾ وإنما جعل ذلك أفضل لأنه أبعد عن الظنة، فعند الظنة يلزمهن ألا يضعن ذلك كما يلزم الشابة، والله سميع عليم.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٤٦
قوله تعالى :﴿لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ﴾ الآية.
قال ابن عباس : لما أنزل الله - عزَّ وجلَّ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوا ااْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء : ٢٩] تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعُمْي والعرج وقالوا : الطعام أفضل الأموال، وقد نهانا الله - عزَّ وجلَّ - عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والأعرج لا يتمكن من الجلوس، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام، والمريض يضعف عن التناول، فلا يستوفي الطعام، فأنزل الله هذه الآية.
وعلى هذا التأويل تكون " على " بمعنى " في " أي : ليس في الأعمى، أي : ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض حرج.
وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما :" كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس
٤٥٦