ويُؤَيّد هذا أن سيبويه حكى عن بعض العرب " اطَّجَع " في " اضْطَجع "، وإذا جاز إدغامها في الطاء فإدغامها في الشين أولى.
والخصم لا يسلم جميع ما ذكر، ومستند المنع واضح.
فصل ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ أمرهم ﴿فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ بالانصراف، أي : إن شئت فأذن وإن شئت فلا تأذن، ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾ وهذا تنبيه على أن الأولى ألا يستأذنوا وإن أذن، لأن الاستغفار يكون عن ذنب.
ويحتمل أن يكون أمره بالاستغفار لهم مقابلة على تمسكهم بإذن الله تعالى في الاستئذان.

فصل قال مجاهد : قوله : فأذن لمن شئت منهم نسخت هذه الآية.


وقال قتادة : نسخت هذه الآية بقوله :﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ [التوبة : ٤٣].
والآية تدل على أنه تعالى فوض إلى رسول الله بعض أمر الدين ليجتهد فيه رأيه.
قوله :﴿لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾.
قال سعيد بن جبير وجماعة كثيرة : لا تنادونه باسمه فتقولون : يا محمد، ولا بكنيته فتقولون : يا أبا القاسم، بل نادوه وخاطبوه بالتوقير : يا رسول الله، يا نبي الله.
وعلى هذا يكون المصدر مضافاً لمفعوله.
وقال المبرد والقفال : لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم لبعض فتتباطؤون كما يتباطأ بعضكم عن بعض إذا دعاه لأمر، بل يجب عليكم المبادرة لأمره، ويؤيده قوله :﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾.
وعلى هذا يكون المصدر مضافاً للفاعل.
وقال ابن عباس :" احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه، فإن دعاءه موجب لنزول البلاء بكم ليس كدعاء غيره ".
وروي عنه أيضاً :" لا ترفعوا أصواتكم في دعائه ".
وهو المراد من قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [الحجرات : ٣] وقول المبرد أقرب إلى نظم الآية.
وقرأ الحسن :" نبيكم " بتقديم النون على الباء المكسورة، بعدها ياء
٤٦٥
مشددة مخفوضة مكان " بينكم " الظرف في قراءة العامة، وفيها ثلاثة أوجه : أحدها : أنه بدل من الرسول.
الثاني : أنه عطف بيان له، لأَنَّ النبيَّ بإضافته إلى المخاطبين صار أشهر من الرسول.
الثالث : أنه نعتٌ.
لا يقال : إنه لا يجوز لأن هذا كما قَرَّرتم أعرف، والنعت لا يكون أعرف من المنعوت بل إمَّا أقلُّ أو مساوٍ، لأنَّ الرَّسول صار علماً بالغلبة على محمد - ﷺ - فقد تساويا تعريفاً.
قوله :﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ﴾.
" قد " تدل على التقليل مع المضارع إلاّ في أفعال الله فتدل على التحقيق كهذه الآية.
وقد ردَّها بعضهم إلى التقليل، لكن إلى متعلَّق العلم، يعني : أن الفاعلين لذلك قليل، فالتقليل ليس في العلم بل في متعلِّقه.
قوله : لِوَاذاً فيه وجهان : أحدهما : أنه منصوب على المصدر من معنى الفعل الأول، إذ التقدير : يتسلّلون منكم تَسَلُّلاً، أو يُلاَذُون لواذاً.
والثاني : أنه مصدر في موضع الحال، أي : مُلاَوِذين.
واللِّواذُ : مصدر لاَوذَ، وإنما صحَّت الواو وإن انكسر ما قبلها ولم تُقلب ياءً كما قُلبَتْ في " قِيَام " و " صِيَام "، لأنه صحَّت في الفعل نحو " لاَوَذَ "، فلو أُعِلَّتْ في الفعل أُعِلَّتْ في المصدر نحو " القيام " و " الصِّيَام " لقلبها ألفاً في " قام " و " صام ".
وأما مصدر :" لاَذَ بكذا يَلُوذُ به " فمعتل نحو :" لاَذَ لِيَاذاً " مثل :" صَامَ صِياماً، وقام قِياماً ".
واللِّوَاذُ والمُلاَوَذَةُ : التَّستُّر، يقال : لاَوَذَ فلانٌ بكذا : إذا استتر بِهِ.
واللَّوذُ :
٤٦٦
ما يُطيفُ بالجبل.
وقيل : اللِّوَاذُ : الرَوَغَان من شيءٍ إلى شيءٍ في خفيةٍ، ووجه المفاعلة أَنَّ كُلاًّ منهم يلُوذُ بصاحبه، فالمشاركة موجودة.
وقرأ يزيد بن قطيب :" لَوَاذاً " بفتح اللام، وهي محتملة لوجهين : أحدهما : أن يكون مصدر " لاذ " ثلاثياً، فيكون مثل " طاف طوافاً ".
والثاني : أن يكون مصدر " لاَوَذَ " إلاّ أنه فتحت الفاء إتباعاً لفتحة العين.
وهو تعليل ضعيف يصلح لمثل هذه القراءة.

فصل المعنى : قال المفسرون : إن المنافقين كانوا يخرجون مستترين بالناس من غير استئذان حتى لا يروا.


قال ابن عباس : كان المنافقون يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة واستماع خطبة النبي - ﷺ - فكانوا يلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار وقال مجاهد : يتسللون من الصف في القتال.
وقيل : كان هذا في حفر الخندق ينصرفون عن رسول الله - ﷺ - مختفين.
وقيل : يعرضون عن الله وعن كتابه وعن ذكره وعن نبيه.
قوله :" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ " فيه وجهان : أشهرهما، وهو الذي لا يعرف النحاة غيره : أن الموصول هو الفاعل و " أن تصيبهم " مفعوله، أي : فليحذر المخالفون عن أمره إصابتهم فتنة.
والثاني : أن فاعل " فَلْيَحْذَر " ضمير مستتر، والموصول مفعول به.
وردَّ هذا بوجوهٍ :
٤٦٧


الصفحة التالية
Icon