يريد : أو تلك، أو أأفرح، فحذف لدلالة الحال، وحقه أن يقف على " الأولين " قال الزمخشري : كيف قيل :﴿اكتَتَبها فهي تملى عليه﴾ وإنما يقال : أمليت عليه فهو يكتبها.
قلت فيه وجهان : أحدهما : اراد اكتِتَابها وطلبه، فهي تملى عليه، أو كتبت له، وهو أمر فهي تملى عليه، أي : تلقى عليه من كتاب يتحفظها، لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب.
وقرأ عيسى وطلحة " تُتْلَى " بتاءين من [فوق من التلاوة.
و " بُكْرَةً وأَصِيلاً " ظرفا زمان للإملاء، والياء في " تُمْلَى " بدل من] اللام، كقوله :" فَلْيُمْلِلِ " وقد تقدم.
فصل المعنى : أن هذا القرآن ليس من الله، إنما هو مما سطره الأولون كأحاديث رستم واسفنديار، جمع أسطار وأسطورة كأحدوثة استنسخها محمد من أهل الكتاب ﴿فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ﴾ أي : تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها " بُكْرَةً وأَصِيلاً " غدوة وعشيًّا.
قوله :﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ الآية.
وهذا جواب عن شبههم، وذلك أنه - عليه السلام - تحداهم بالمعارضة وأظهر عجزهم عنها، ولو كان عليه السلام أتى بالقرآن من عند نفسه، أو استعان بأحد لكان من الواجب عليهم أيضاً أن يستعينوا بأحد، فيأتوا بمثل هذا القرآن، فلما عجزوا عنه ثبت أنه وحي الله وكلامه، فلهذا قال :" قُلْ أَنْزَلَهُ " يعني : القرآن ﴿الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ أي : الغيب ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ؛ لأن القادر على تركيب ألفاظ القرآن لا بد وأن يكون عالماً بكل المعلومات ظاهرها وخفيها، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ
٤٨١
لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ [النساء : ٨٢] ثم قال :﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾، فذكر الغفور في هذا الموضع لوجهين : أحدهما : قال أبو مسلم : إنه لما أنزله لأجل الإنذار وجب أن يكون غفوراً رحيماً، غير مستعجل بالعقوبة.
الثاني : أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العقاب صبًّا، ولكن صرف عنهم كونه غفوراً رحيماً، يمهل ولا يعاجل.
الشبهة الثالثة : قوله تعالى :﴿وَقَالُواْ مَالِ هَـذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾.
الآية.
" ما " استفهامية مبتدأة، والجار بعدها خبر، و " يأكل " جملة حالية، وبها تتم فائدة الإخبار، كقوله :﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ [المدثر : ٤٩] وقد تقدم في النساء أن لام الجر كتبت مفصولة من مجرورها، وهو خارج عن قياس الخط.
والعامل في الحال الاستقرار العامل في الجر، أو نفس الجر ذكره أبو البقاء.
قوله :" فَيَكُونَ ".
العامة على نصبه، وفيه وجهان : أحدهما : نصبه على جواب التحضيض.
والثاني : قال أبو البقاء :" فَيَكُونَ " منصوب على جواب الاستفهام.
وفيه نظر، لأن ما بعد الفاء لا يترتب على هذا الاستفهام، وشرط النصب أن ينعقد منهما شرط وجزاء.
وقرئ " فَيَكُونُ " بالرفع وهو معطوف على " أُنْزِلَ "، وجاز عطفه على الماضي ؛ لأن المراد بالماضي المستقبل إذ التقدير : لولا ينزل.
قوله :" أَوْ يُلقَى...
أَوْ تَكُون " معطوفان على " أنزل " لما تقدم من كونه بمعنى
٤٨٢