ينزل، ولا يجوز أن يُعطفا على " فَيَكُون " المنصوب في الجواب ؛ لأنهما مندرجان في التحضيض في حكم الواقع بعد " لولا "، وليس المعنى على أنهما جواب للتحضيض، فَيُعْطَفا على جوابه.
وقرأ الأعمش وقتادة ﴿أَوْ يَكُونُ لَهُ﴾ بالياء من تحت ؛ لأن تأنيث الجنة مجازي.
قوله :" يَأْكُلُ مِنْهَا " الجملة في موضع الرفع صفة لـ " جَنّة ".
وقرأ الأخوان " نَأْكُلُ " بنون الجمع، والباقون بالياء من تحت أي : الرسول.
قوله :" وَقَالَ الظَّالِمُون " وضع الظاهر موضع المضمر ؛ إذ الأصل " وَقَالُوا ".
قال الزمخشري : وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم.
قال أبو حيان : وقوله ليس تركيباً سائغاً بل التركيب العربي أن يقول أرادهم بأعيانهم.
فصل وهذه الشبهة التي ذكروها في نهاية الرذالة، فقالوا :﴿مَالِ هَـذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ﴾ يلتمس المعاش كما نلتمس فمن أين له الفضل علينا ؟ وكيف يمتاز عنّا بالنبوة، وهو مثلنا في هذه الأمور.
وقالوا :﴿لَوْلا اا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ هلاّ أنزل إليه ملك ﴿فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾ يصدقه ويشهد له، ويرد على من خالفه.
﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ من السماء، فينفعه ولا يحتاج إلى تردد لطلب المعاش، وكانوا يقولون له : لستَ أنتَ بملك، لأنك تأكل والملك لا يأكل، ولست بملك ؛ لأن الملك لا يتسوق، وأنت تتسوق وتتبذل.
وما قالوه فاسد ؛ لأن أكله الطعام لكونه آدمياً، ومشيه في الأسواق لتواضعه، وكان ذلك صفة له.
وقالوا :﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾، والمعنى : إن لم يكن له كنز فلا أقلّ أن يكون كواحد من الدهاقين، فيكون له بستان يأكل منه ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾ مخدوعاً، وقيل : مصروفاً عن الحق.
وتقدمت هذه القصة في آخرِ بني إسرائيل.
ثم أجابهم الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله :﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ﴾
٤٨٣
يعني الأشباه فضلوا عن الحق ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾ إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة.
وبيان وجه الجواب كأنه تعالى قال : انظر كيف اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها : لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوَّتِك لم يجدوا إلى القدح فيه سبيلاً البتّة، إذ الطعن عليه إنما يكون بما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٧٧
قوله تعالى :﴿تَبَارَكَ الَّذِى إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذالِكَ﴾ الآية وهذا هو الجواب الثاني عن تلك الشبهة، أي : تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ الذي قالوا، وأفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا، أي : أنه قادر على أن يعطي الرسول كل ما ذكروه، ولكنه تعالى يعطي عباده بحسب المصالح، أو على وفق المشيئة، ولا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله.
قال ابن عباس :﴿خَيْراً مِّن ذالِكَ﴾ أي : مما عيَّروك بفقد الجنة الواحدة، وهو سبحانه قادر على أن يعطيك جنات كثيرة.
وقال في رواية عكرمة :﴿خَيْراً مِّن ذالِكَ﴾ أي : من المشي في الأسواق وابتغاء المعاش.
وقوله :" إِنْ شَاءَ " معناه : أنه تعالى قادرٌ على ذلك لا أنه شاكٌّ، لأن الشك لا يجوز على الله تعالى.
وقيل :" إِنْ " ههنا بمعنى (قَدْ)، أي : قد جعلنا لك في الآخرة جنات ومساكن، وإنما أدخل (إن) تنبيهاً للعبادة على أنه لا ينال ذلك إلا برحمته، وأنه معلق على محض مشيئته، وليس لأحد من العباد حق على الله لا في الدنيا ولا في الآخرة.
قوله :" جَنَّاتٍ ".
يجوز أن يكون بدلاً من " خَيْراً " وأن يكون عطف بيان لذلك الخير عند من يجوزه في النكرات، وأن يكون منصوباً بإضمار أعني.
و ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ صفة.
قوله :" وَيَجْعَل لَكَ " قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع " يَجْعَلُ "، والباقون
٤٨٤
بإدغام لام " يَجْعَل " في لام " لك " وأما الرفع ففيه وجهان : أحدهما : أنه مستأنف.
والثاني : أنه معطوف على جواب الشرط.
قال الزمخشري : لأن الشرط إذا وقع ماضياً جاز في جوابه الجزم والرفع، كقوله : ٣٨٦٣ - وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ
يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ
قال الزمخشري : وليس هذا مذهب سيبويه بل مذهبه أن الجواب محذوف، وأن هذا المضارع مَنْوِيٌّ به التقديم، ومذهب المبرد والكوفيين أنه جواب على حذف الفاء، ومذهب آخرين أنه جواب لا على حذفها بل لما كان الشرط ماضياً ضعف تأثير (إن) فارتفع.
فالزمخشري بنى قوله على هذين المذهبين.
ثم قال أبو حيان : وهذا التركيب جائز فصيح، وزعم بعض أصحابنا أنه لا يجيء إلا في ضرورة.
وأما القراءة الثانية فتحتمل وجهين :
٤٨٥


الصفحة التالية
Icon