أحدهما : أن سكون اللام للجزم عطفاً على محل (جعل) ؛ لأنه جواب الشرط.
والثاني : أنه مرفوع، وإنما سكن لأجل الإدغام.
قاله الزمخشري وغيره.
وفيه نظر من حيث إن من جملة من قرأ بذلك وهو نافع والأخوان وحفص ليس من أصولهم الإدغام حتى يدعى لهم في هذا المكان.
نعم أبو عمرو أصله الإدغام وهو يقر هنا بسكون اللام فيحتمل ذلك على قراءته، وهذا من محاسن علم النحو والقراءات معاً وقال الواحدي : وبين القراءتين فرق في المعنى، فمن جزم فالمعنى : إن شاء يجعل لك قصوراً في الدنيا، ولا يحسن الوقف على " الأَنْهَارُ " ومن رفع حسن الوقف (على " الأَنْهَار " ) واستأنف ﴿وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾ في الآخرة.
وقرأ ابن سليمان وطلحة بن سليمان " وَيَجْعَلَ " بالنصب، وذلك بإضمار أن على جواب الشرط، واستضعفها ابن جنيّ، ومثل هذه القراءة قوله : ٣٨٦٤ - فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ
رَبيعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرَامُ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٨٤
وَنَأْخُذ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ
أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ
بالتثليث في (نأخذ).
فصل القصور جماعة القصر، وهو المسكن الرفيع.
قال المفسرون : القصور هي البيوت
٤٨٦
المشيدة، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصراً.
ويحتمل أن يكون لكل جنة قصر فيكون مسكناً ومنتزهاً، ويجوز أن يكون القصور مجموعة والجنات مجموعة.
وقال مجاهد :" إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ جَنَّاتٍ " في الآخرة وقصوراً في الدنيا.
روي أنه - عليه السلام - قال :" عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكة ذَهَباً، فقلتُ : لا يَا رَبِّ، وَلكِنْ أَشْبَعُ يَوْماً وأَجُوعُ يَوْماً - أَوْ قال ثَلاثاً، أَوْ نَحْوَ هَذَا - فإِذا جعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَدَعَوْتُكَ، وإذا شَبِعْت حَمِدْتُك وشَكَرْتُكَ " وروت عائشة قالت : قال رسول الله - ﷺ - :" لو شئتُ لسارت معي جبالُ الذهب جاءني ملكٌ فقال : إنَّ ربك يقرأ عليك السلام ويقول إِنْ شِئْتَ كنت نبياً عبداً، وإن شئْتَ نبياً مَلكاً، فنظرت إلى جبريل - عليه السلام - فأشار إليَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ، فقلت : نبياً عبداً قالت : وكان النبيُّ - ﷺ - بعد ذلك لا يأكل متكئاً، ويقول : آكل كما يَأْكُلُ العبدُ وأجلس كما يجلس العبد وعن ابن عباس قال : بينما رسول الله - ﷺ - جالس وجبريل - عليه السلام - معه فقال جبريل :" هذا مَلَكٌ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ استأْذَنَ رَبَّهُ فِي زِيَارَتك " فلم يلبث إلا قليلاً حتى جاءَ المَلَكُ وسلم على رسول الله - ﷺ - وقال :" إِنَّ اللَّهَ يُخيركَ أَنْ يُعْطِيكَ مفاتيحَ كلِّ شيءٍ لَمْ يُعْطَ أحد قبلك ولا يعطيه أحداً بعدك من غير أن ينقصك مما أداك شيئاً " فقال عليه السلام : بل يجمعهما لي جميعاً في الآخرة " فنزل ﴿تَبَارَكَ الَّذِى إِن شَآءَ﴾ الآية.
قوله تعالى :﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ﴾ أي : بالقيامة، فلا يرجون ثواباً ولا عقاباً فلا يتكلفون النظر والفكر ولهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل.
﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً﴾.
قال أبو مسلم :" أَعْتَدْنَا " أي : جعلناها عتيداً ومعدة لهم، والسعير : النار الشديدة الاستعار، وعن الحسن : أنه اسم جهنم.
فصل احتج أهل السنة على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى :﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران : ١٣٣] وعلى أن النار التي هي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية.
٤٨٧
قال الجبائي : يحتمل في قوله :" وَاَعْتَدْنَا " أن المراد منه نار الدنيا، وبها نعذب الكفار والفساق في قبورهم، ويحتمل نار الآخرة، ويكون المعنى :" وأَعْتَدْنَا " أي : سنعدّها، كقوله تعالى :﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ﴾ [الأعراف : ٤٤].
وهذا جواب ساقط، لأن المراد من السعير إما نار الدنيا، أو نار الآخرة، فإن كان الأول فإما أن يكون المراد أنه تعالى يعذبهم في الدنيا بنار الدنيا، والثاني - أيضاً - باطل ؛ لأنه لم يقل أحد من الأمة إنه تعالى يعذب الكفرة في الآخرة بنيران الدنيا.
فثبت أن المراد نار الآخرة وأنها معدة.
وأما حمل الآية على أن الله تعالى سيجعلها معدة فترك للظاهر من غير دليل.
قوله :" إِذَا رَأَتْهُمْ " هذه الجملة الشرطية في موضع نصب صفة لـ " سَعِيراً "، لأنه مؤنث بمعنى النار.
قوله :﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ فإن قيل : التَّغَيُّظُ لا يُسمع.
فالجواب من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه على حذف مضاف، أي : صوت تغيظها.
والثاني : أنه على حذف تقديره : سمعوا ورأوا تغيظاً وزفيراً، فيرجع كل واحد إلى ما يليق به، أي : رأوا تغيظاً وسمعوا زفيراً.
والثالث : أن يضمن " سَمِعُوا " معنى يشمل الشيئين، أي : أدركوا لها تغيظاً وزفيراً.
وهذان الوجهان الأخيران منقولان من قوله : ٣٨٦٥ - وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ في الوَغَى
مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحَا