جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٨٤
ومن قوله :
٣٨٦٦ - عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بَارداً
أي : ومعتقلاً رمحاً، وسقيتها ماء، أو يُضَمَّن (مُتَقَلِّداً) معنى متسلحاً،
٤٨٨
و(علفتها) معنى أطعمتها تبناً وماءً بارداً.
فصل معنى ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾.
قال الكلبي والسديّ من مسيرة عام.
وقيل : من مسيرة مائة سنة.
روي عن رسول الله - ﷺ - أنه قال :" مَنْ كَذَب علَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأ بَيْنَ عَيْنَي جهنمَ مَقْعَدا " قالوا : وهل لها من عينين ؟ قال : نعم ألم تسمع قول الله - عزَّ وجلَّ - ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ ".
وقيل : إذا رأتهم زبانيتها.
قال الجبائي : إن الله تعالى ذكر النار وأراد الخزنة الموكلين بتعذيب أهل النار، لأن الرؤية تصح منهم ولا تصح من النار، فهو كقوله " وَاسْأَلِ القَرْيَةَ " وأراد أهلها.
قوله :﴿وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً﴾.
" مَكَاناً " منصوب على الظرف، و " منها " في محل نصب على الحال من " مكاناً ".
لأنه في الأصل صفة له.
و " مُقَرَّنينَ " حال من مفعول " أُلْقُوا "، و " ثُبُوراً " مفعول به، فيقولون : واثبوراه، ويجوز أن يكون مصدراً من معنى " دعوا "، وقيل : منصوب بفعل من لفظه مقدر تقديره ثبرنا ثبوراً.
وقرأ معاذ بن جبل " مُقَرَّنُونَ " بالواو، ووجهها أن تكون بدلاً من مفعول " أُلْقُوا " وقرأ عمرو بن محمد " ثَبُوراً " بفتح الثاء، والمصادر التي على
٤٨٩
(فعول) بالفتح قليلة جداً، وينبغي أن يضم هذا إليها، وهي مذكورة في البقرة عند قوله ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ [البقرة : ٢٤].
فصل قال ابن عباس : يُضَيق جهنم عليهم كما يضيق الزج على الرمح، وهو منقول أيضاً عن ابن عمر.
وسئل النبي - ﷺ - عن ذلك فقال :" إِنَّهُمْ يُسْتَكْرَهُونَ في النار كما يُسْتَكْرَه الوتد في الحائط ".
قال الكلبي : الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يخفضهم الداخلون فيزدحمون في تلك الأبواب.
قال الزمخشري : الكرب مع الضيق كما أن الفرج مع السعة، ولذلك وصف الجنة بأن عرضها السموات والأرض.
وقوله :" مُقَرَّنِينَ " (أي : مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال.
وقيل : مقرنين) مع الشياطين في السلاسل، كل كافر مع شيطان، فعندما يشاهدون هذا العذاب دعوا بالويل والثبور.
قال ابن عباس : يقولون : ويلاً.
وقال الضحاك : هلاكاً.
فيقولون : واثبوراه فهذا حينك وزمانك، فيقال لهم :﴿لاَّ تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً﴾ أي : هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة.
٤٩٠
قال الكلبي : نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبهات.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٨٤
قوله تعالى :﴿أَذالِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾ الآية.
لما وصف العقاب المعد للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة فقال :" أَذَلِكَ خَيْرٌ ".
فإن قيل : كيف يقال : العذاب خير أم جنة الخلد ؟ وهل يجوز أن يقول العاقل : السكر أحلى أم الصبر ؟ فالجواب : هذا يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالاً فتمرد وأبى واستكبر فضربه ويقول له : أهذا خير أم ذلك ؟ فصل قال أبو مسلم : جنة الخلد : هي التي لا ينقطع نعيمها، والخلد والخلود سواء كالشكر والشكور، قال تعالى :﴿لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً﴾ [الإنسان : ٩].
فإن قيل : الجنة اسم لدار مخلدة، فأي فائدة في قوله :" جَنَّةُ الخُلْدِ " ؟ فالجواب : الإضافة قد تكون للتبيين، وقد تكون لبيان صفات الكمال، كقوله تعالى :" الخَالِقُ البَارِئ " وهذا من هذا الباب.
فصل احتج المعتزلة بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين : الأول : اسم الجزاء لا يتناول إلا المستحق، فأما الموعود بمحض التفضيل فلا يسمى جزاء.
والثاني : لو كان المراد بالجزاء ما صرتُم إليه بمجرد الوعد فلا يبقى بين قوله :" جَزَاءً " وبين قوله :" مَصِيراً " تفاوت، فيصير ذلك تكريراً من غير فائدة.
والجواب : أنه لا نزاع في كونه جزاء إنما النزاع في أن كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق، وليس في الآية ما يدل على التعيين.
فإن قيل : إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيراً لكنها بعد ما صارت كذلك، فلم قال الله ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً﴾ ؟ فالجواب من وجهين :
٤٩١