ويتأوله البصريون على إضمار : ألا ترونني رجلاً، وكان يمكن الشيخ أن يجعله معرباً كما ادّعى بطريق أخرى، وهو : أن يجعل " بُشْرَى " عاملة في " يَوْمَئِذٍ " أو في " لِلْمُجْرِمِينَ "، فيصير من قُبَيْل المطوَّل، والمطوَّل معربٌ، لكنه لم يلم بذلك، وسيأتي شيء من هذا في كلام أبي البقاء رحمه الله.
ويجوز أن يكون " بُشْرَى " معرباً منصوباً بطريق أخرى، وهي أن تكون منصوبة بفعل مقدَّر، أي : لا يُبَشَّرُونَ بُشْرَى، كقوله تعالى :﴿لاَ مَرْحَباً (بِهِمْ)﴾ [ص : ٥٩]، (و) لا أهلاً ولا سهلاً، إلاَّ أن كلام الشيخ لا يمكن تنزيله على هذا لقوله : جاز أن يكون " يَوْمَئِذٍ " و " لِلْمُجْرِمِينَ " خبرين، فقد حكم أن لها خبراً، وإذا جُعِلَت منصوبة بفعل مقدر لا
٥١٠
يكون [لـ (لا)] حينئذ خبر، لأنها داخلة على ذلك الفعل المقدر، وهذا موضع حسنٌ.
قوله :" يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ " قد تقدَّم في " يَوْمَئِذٍ " أوجه : وجوَّز أبو البقاء أن يكون منصوباً بـ " بُشْرَى "، قال : إذا قدَّرت أنها منونة غير مبنيَّة مع (لا)، ويكون الخبر " لِلْمُجْرِمِينَ ".
وجوَّز - أيضاً - هو والزمخشري أن يكون " يَوْمَئِذٍ " تكريراً لـ " يَوْم) يَرَوْنَ " وردَّه أبو حيان سواء أريد بالتكرير التوكيد اللفظيّ أم أريد به البدل قال : لأنَّ " يَوْمَ " منصوب بما تقدم ذكره من (اذكر) (أو من) (يَعْدَمُونَ) البشرى، وما بعد (لاَ) العاملة في الاسم لا يعمل فيه ما قبلها، وعلى تقدير ما ذكراه يكون العامل فيه ما قبل (لاَ).
وما ردَّه ليس بظاهر، لأنَّ الجملة المنفية معمولةٌ للقول المضمر الواقع حالاً من " المَلاَئِكَةِ "، و " الملائكة " معمولةٌ لـ " يَرَوْنَ "، و " يَرَوْنَ " معمول لـ " يَوْمَ " خُصِّصَا بالإضافة، فـ (لا) وما في حيزها من تتمة الظرف الأول من حيث إنها معمولة لبعض ما في حيزه، فليست بأجنبية ولا مانعةٍ من أن يعمل ما قبلها فيما بعدها.
والعجب له كيف تخيل هذا وغفل عما تقدم فإنه واضح مع التأمل.
و " لِلْمُجْرِمِينَ " من وضع الظاهر موضع المضمر شهادةً عليهم بذلك.
والضمير في " يقُولُونَ " يجوز عوده للكفار (أو للملائكة).
و " حِجْراً " من المصادر الملتزم إضمار ناصبها، ولا يتصرَّف فيه نحو معاذ الله، وقعدك، وعمرك، وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوٍّ وهجوم نازلة، ونحو ذلك يضعونها موضع الاستعاذة، قال سيبويه : ويقول الرجل للرجل : أتفعل كذا فيقول : حِجْراً وهي من حجره : إذا منعه، لأنَّ المستعيذ
٥١١
طالب من الله أن يمنع المكروه ولا يلحقه، وكان المعنى : أسأل الله أن يمنعه منعاً ويحجره حجراً.
والعامة على كسر الحاء، والضحاك، والحسن، وأبو رجاء على ضمِّها وهو لغة فيه.
قال الزمخشري : ومجئيه على فِعْل أو فُعْل في قراءة الحسن تصرُّفٌ فيه لاختصاصه بموضع واحد كما كان قعدك وعمرك كذلك وأنشد لبعض الرجاز :
٣٨٧١ - قَالَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وذُعْرُ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٠٥
عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُم وَحُجْرُ
وهذا الذي أنشده الزمخشري يقتضي تصرُّف " حِجْراً ".
وقد تقدم نص سيبويه على أنه يلتزم النصب.
وحكى أبو البقاء فيه لغةً ثالثةً وهي الفتح، قال : وقد قرئ بها.
فعلى هذا كمل فيه ثلاثة لغاتٍ مقروء بهنَّ.
و " مَحْجُوراً " صفة مؤكدة للمعنى كقولهم : ذيل ذائل، والذيل : الهوان، ومَوْتٌ مَائِتٌ، والحِجْرُ : العقل، لأنه يمنع صاحبه.
فصل قوله :﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ﴾ عند الموت.
قاله ابن عباس، وقال الباقون : يريد يوم القيامة ﴿لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ﴾ للكافرين.
قالت المعتزلة : الآية تدلّ على القطع بوعيد الفساق وعدم العفو، قوله :" لاَ بُشْرَى...
لِلْمُجْرِمِينَ " نكرة في سياق النفي فتعمّ
٥١٢


الصفحة التالية
Icon