جميع أنواع البشر في جميع الأوقات، بدليل أن من أراد تكذيب هذه القضية قال : بل له بُشْرَى في الوقت الفلاني، فلما كان ثبوت البشرى في وقت من الأوقات يذكر لتكذيب هذه القضية، علمنا أن قوله :" لاَ بُشْرَى " يقتضي نفي جميع البشرى في كل الأوقات، وشفاعة الرسول لهم من أعظم البشرى فوجب أن لا يثبت ذلك لأحد من المجرمين، والكلام على التمسك بصيغ العموم، وقد تقدم مراراً.
فصل اختلفوا في القائلين " حِجْراً مَحْجُوراً " : فقال ابن جريج : كانت العرب إذا نزلت بهم شدة، ورأوا ما يكرهون، قالوا :" حِجْراً مَحْجُوراً "، فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة.
قال مجاهد : يعني : عوذاً مَعَاذاً، فيستعيذون به من الملائكة.
وقال ابن عباس : تقول الملائكة : حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال : لا إله إلا الله.
قال مقاتل : إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة " حِجْراً مَحْجُوراً " أي : حرام محرم عليكم أن تكون لكم البشرى.
قوله :﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ﴾ أي : وعمدنا إلى عملهم.
قوله :﴿فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً﴾.
الهَبَاءُ والهَبْوَةُ : التراب الدقيق.
قاله ابن عرفة.
قال الجوهري : يقال فيه : هَبَا يَهْبُو : إذا ارتفع، وأَهْبَبْتُهُ أَنَا إِهْبَاءً.
وقال الخليل والزجاج : هو مثل الغبار الداخل في الكوَّة يتراءى مع ضوء الشمس فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل.
وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد.
٥١٣
وقيل : الهَبَاءُ ما تطاير من شرر النَّار إذا أُضْرِمَتْ، والواحدة هباءة على حد تَمْر وتَمْرَة.
و " مَنْثُوراً " أي : مفرَّقاً، نثرت الشيء فرَّقته.
والنَّثْرَةُ لنجوم متفرقة.
والنَّثْرُ : الكلام غير المنظوم على المقابلة بالشعر.
قال ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير : هو ما تسفيه الرياح، وتذريه من التراب، (وحطام الشجر).
وقال مقاتل : هو ما يسطع من حوافر الدواب عند السير.
وفائدة الوصف به أنَّ الهَبَاءَ تراه منتظماً مع الضوء، فإذا حرّكته تفرَّق، فجيء بهذه الصفة لتفيد ذلك.
وقال الزمخشري : أو مفعول ثالث لـ " جَعَلْنَاهُ " أي : فَجَعَلْنَاهُ جامعاً لحقارة الهَبَاء والتناثر، كقوله :" كُونُوا " ﴿قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف : ٦٦] أي : جامعين للمسخ والخسأ.
قال أبو حيان : وخالف ابن درستويه، فخالف النحويين في منعه أن يكون لـ (كان) خبران وأزيد، وقياس قوله في (جعل) أن يمنع أن يكون لها خبر ثالث.
قال شهاب الدين : مقصوده أن كلام الزمخشري مردودٌ قياساً على ما منعه ابن درستويه من تعديد خبر (كَانَ).
قوله :﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً﴾ أي : من هؤلاء المشركين المستكبرين.
" وَأَحْسَن مَقِيلاً " موضع قائلة.
وفي (أَفْعَل) هاهنا قولان : أحدهما : أنها على بابها من التفضيل، والمعنى : أن المؤمنين خير في الآخرة
٥١٤
مُسْتَقَراً من مُسْتَقَرِّ الكفار " وَأَحْسَنُ مَقِيلاً " من مقيلهم، لو فرض أن يكون لهم.
والثاني : أن يكون لمجرَّد الوصف من غير مفاضلةٍ.
فصل قال المفسرون : يعني أن أهل الجنة لا يمرّ بهم يوم إلا قدر النهار من أوله إلى قدر القائلة حتى يسكنوا مساكنهم من الجنة.
قال ابن مسعود : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، وقرأ :" ثُمَّ إن مَقِيلَهُمْ لإلى الجَحِيمِ " وهكذا كان يقرأ.
وقال ابن عباس في هذه الآية : الحساب ذلك اليوم في أوله.
وقال قوم : حين قالوا في منازلهم.
قال الأزهري : القيلولة والمقيل : الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم، لأن الله قال :" وَأَحْسَنُ مَقِيلاً " والجنة لا نوم فيها.
وروي " أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ".
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٠٥
قوله :" وَيَوْمَ تَشَقَّقُ " العامل في " يَوْمَ " إمّا (اذكر)، وإمّا ينفرد الله بالمُلْكِ يَوْمَ تشقق، لدلالة قوله :﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَـانِ﴾ عليه.
وقرأ الكوفيون وأبو عمرو [هنا وفي (ق) " تَشَقَّقُ " بالتخفيف، والباقون بالتشديد، وهما واضحتان،
٥١٥


الصفحة التالية
Icon