حذف الأولون] تاء المضارعة أو تاء التفعل على خلاف في ذلك، والباقون أدغموا تاء التفعل في الشين لما بينهما من المقاربة، وهما كـ " تَظَاهَرُونَ " و " تَظَّاهَرُونَ " حذفاً وإدغاماً، وقد مضى في البقرة.
قوله :" بِالغَمَامِ " في هذه الباء ثلاثة أوجه : أحدها : على السببية، أي : بسبب الغمام، يعني بسبب طلوعها منها، ونحوه السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل : ١٨] كأنه الذي يتشقق به السماء.
الثاني : أنها للحال، أي : مُلتَبِسَةً بالغمام.
الثالث : أنها بمعنى (عَنْ)، أي : عن الغَمَام كقوله :﴿(يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ)﴾ [ق : ٤٤]، [والباء وعن يتعاقبان، تقول : رميت عن القوس وبالقوس].
قوله :" وَنُزِّلَ المَلاَئِكَةُ " فيها اثنتا عشرة قراءة ثنتان في المتواتر، وعشر في الشاذ.
فقرأ ابن كثير من السبعة " وَنُنْزِلُ " بنون مضمومة ثم أخرى ساكنة وزاي خفيفة مكسورة مضارع (أَنْزَلَ)، و " المَلاَئِكَةَ " بالنصب مفعول به، وكان من حق المصدر أن يجيء بعد هذه القراءة على (إِنْزَال).
قال أبو علي : لما كان (أَنْزَلَ) و(نَزَّلَ) يجريان مجرى واحداً أجزأ مصدر أحدهما عن مصدر الآخر، وأنشد :
٣٨٧٢ - وَقَدْ تَطَوَّيْتُ انْطِوَاءَ الحِضْبِ
٥١٦
لأنَّ تَطَوَّيْتُ وانْطَويْتُ بمعنى، ومثله :﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾ [المزمل : ٨] [أي : تَبَتُّلاً] وقرأ الباقون من السبعة " وَنُزِّلَ " بضم النون وكسر الزاي المشددة وفتح اللام ماضياً مبنيًّا للمفعول، " المَلاَئِكَةُ " بالرفع لقيامه مقام الفاعل، وهي موافقةٌ لمصدرها.
وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء " وَنَزَّلَ " بالتشديد ماضياً مبنيًّا للفاعل، وهو الله تعالى، " المَلاَئِكَةَ " مفعول به.
وعنه - أيضاً - " وَأَنْزَلَ " مبنيًّا للفاعل عداه بالتضعيف مرة، وبالهمزة أخرى، والاعتذار عن مجيء مصدره على التفعيل كالاعتذار عن ابن كثير.
وعنه - أيضاً - " وَأُنْزِلَ " مبنيًّا للمفعول.
وقرأ هارون عن أبي عمرو " وَتُنَزِّلُ المَلاَئِكَةُ " بالتاء من فوق وتشديد الزاي ورفع اللام مضارعاً مبنيًّا للفاعل، " المَلاَئِكَةُ " بالرفعِ مضارع " نَزَّلَ " بالتشديد، وعلى هذه القراءة، فالمفعول محذوف، أي : وتُنَزِّلُ المَلاَئِكَةُ ما أُمِرَتْ أن تُنَزِّله.
وقرأ الخفَّاف عنه، وجناح بن حبيش " وَنَزَلَ " مخففاً مبنيًّا للفاعل، " المَلاَئِكَةُ " بالرفع.
وخارحة عن أبي عمرو - أيضاً - وأبو معاذ " ونُزِّلَ " بضم النون وتشديد الزاي، ونصب " المَلاَئِكَةَ "، والأصل : ونُنْزِلُ بنونين حذفت (إحداهما) وقرأ أبو عمرو
٥١٧
وابن كثير في رواية عنهما بهذا الأصل " ونُنَزِّلَ " بنونين وتشديد الزاي.
وقرأ أُبيّ " وَنُزِّلَتْ " بالتشديد مبنيًّا للمفعول، " وَتُنُزِّلَتْ " بزيادة تاء في أوله، وتاء التأنيث (فيهما).
وقرأ أبو عمرو في طريقة الخفاف عنه " وَنُزِلَ " بضم النون وكسر الزاي خفيفة مبنيًّا للمفعول.
قال صاحب اللوامح : فإن صحت هذه القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، تقديره : ونُزِلَ نُزُول الملائكة، فحذف النزول ونقل إعرابه إلى " المَلاَئِكَة " بمعنى : نَزَلَ نَازِلُ الملائكة، لأنَّ المصدر يجيء بمعنى الاسم، وهذا مما يجيء على مذهب سيبويه ترتيب بناء اللازم للمفعول به، لأنَّ الفعل يدل على مصدره.
قال شهاب الدين : وهذا تمحُّلٌ كثير دعت إليه ضرورة الصناعة.
وقال ابن جني : وهذا غير معروف، لأنَّ (نَزَلَ) لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا للملائكة، ووجهه أن يكون مثل زكم الرَّجُلُ وجنَّ، فإنه لا يقال إلا أزكمه، وأجنّه الله، وهذا باب سماع لا قياس.
ونظير هذه القراءة ما تقدم في سورة الكهف في قراءة من قرأ ﴿فَلاَ يَقُومُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً﴾ بنصب الوزن من حيث تعدية القاصر، وتقدم ما فيها.

فصل الغَمَامُ : هو الأبيض الرقيق مثل الضباب، ولم يكن إلاَّ لبني إسرائيل في تيههم.


والألف واللام في " الغمام " ليس للعموم بل للمعهود، وهو ما ذكره في قوله :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ﴾ [البقرة : ٢١٠] قال ابن عباس : تتشقق
٥١٨


الصفحة التالية
Icon