سماء الدنيا فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس، [ثم تشقق السماء ثانية، فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس] ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها، ثم ينزل الكَرُوبِيُّون، ثم حملة العرش.
فإن قيل : ثبت بالقياس أن نسبة الأرض إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة، فكيف بالقياس إلى الكرسي والعرش، فملائكة هذه المواضع (بأسرها، فكيف تتسع الأرض لكل هؤلاء) ؟ فالجواب : قال بعض المفسرين : الملائكة يكونون في الغمام، والغمام يكون) مقرّ الملائكة.
قوله :" المُلْكُ يَوْمَئذٍ " فيها أوجه : أحدها : أن يكون " المُلْكُ " مبتدأ والخبر " الحَقُّ " و " يَوْمَئِذٍ " متعلق بـ " الملك "، و " للرَّحْمَنِ " متعلق بـ " الحَقّ "، أو بمحذوف على التبيين، أو بمحذوف على أنه صفة للحق.
الثاني : أنَّ الخبر " يَوْمَئِذٍ "، و " الحَقُّ " نعت للملك، [و " للرحمن " على ما تقدم].
[الثالث : أنَّ الخبر " للرَّحْمَن " و " يَوْمَئِذٍ " متعلق بـ " الملك "، و " الحَقُّ " نعت للملك].
قيل : ويجوز نصب الحق بإضمار (أَعْنِي).
٥١٩
فصل المعنى : أَنَّ الملك الذي هو الملك حقاً ملك الرحمن يوم القيامة.
قال ابن عباس : يريد أَنَّ يوم القيامة لا ملك يقضي غيره.
ومعنى وصفه بكونه حقاً : أنه لا يزول ولا يتغير.
فإن قيل : مثل هذا الملك لم يكن قط إلا للرحمن، فما الفائدة في قوله :" يَوْمَئِذٍ " ؟.
فالجواب لأَنّ في ذلك اليوم لا مالك له سواه لا في الصورة، ولا في المعنى، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه، وتذل له الجبابرة بخلاف سائر الأيام.
﴿وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً﴾ أي : شديداً، وهذا الخطاب يدلُّ على أنه لا يكون على المؤمنين عسيراً ؛ جاء في الحديث " أنه يهوّن يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أَخَفَّ عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا " قوله :﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ﴾ يَوْمَ معمول لمحذوف، أو معطوف على " يَوْمَ تَشَقَّقُ ".
و " يَعضُّ " مضارع عَضَّ، ووزنه فَعِل بكسر العين بدليل قولهم : عَضِضْتُ أَعَضُّ.
وحكى الكسائي فتحها في الماضي، فعلى هذا يقال : أَعِضُّ بالكسر في المضارع.
والعَضُّ هنا كناية عن شدة الندم، ومثله : حَرَقَ نَابَهُ، قال : ٣٨٧٣ - أَبى الضَّيْم والنُّعْمَان يَحْرِقُ نَابَهُ
عَلَيْهِ فَأَفْضَى والسّيُوفُ مَعَاقِلُه
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥١٥
وهذه الكناية أبلغ من تصريح المكني عنه.
فصل (أل) في " الظَّالم " تحتمل العهد والجنس على خلاف في ذلك.
فالقائلون بالعهد اختلفوا على قولين : الأول : قال ابن عباس :" أراد بالظالم : عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس، كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً، ودعا إليه جيرته وأشراف قومه، وكان يكثر مجالسة
٥٢٠
النبي - ﷺ - ويعجبه حديثه، فقدم ذات يوم من سفر، فصنع طعاماً، ودعا الناس، ودعا الرسول، فلما قرب الطعام قال رسول الله - ﷺ - " ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أَنّ محمداً رسول الله، فأكل الرسول من طعامه، وكان عقبة صديقاً لأبيّ بن خلف، فلما أتى أُبي بن خلف قال له : يا عقبة صبأت، قال : لا والله ما صبأت، ولكن دخل عليّ فأبَى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له، فطعم.
فقال : ما أنا بالذي أرضى منك أبداً إلا أن تأتيه وتبزق في وجهه، وتطأ على عنقه، ففعل ذلك عقبة، فقال عليه السلام : لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوتك بالسيف "، فقتل عقبة يوم بدر صبراً، وأما أبيّ بن خلف فقتله النبي - ﷺ - بيده يوم أحد.
قال الضحاك : لما بزق عقبةُ في وجه رسول الله - ﷺ - عاد بزاقه في وجهه، فاحترق خداه، فكان أثر ذلك فيه حتى الموت.
وقال الشعبي : كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمداً، فكفر وارتد، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ يعني : عُقبة، يقول :﴿يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾، أي : ليتني اتبعت محمداً فاتخذت معه سبيلاً إلى الهدى.
وقرأ أبو عمرو ﴿يَا لَيَتَنِي اتَّخَذْتُ﴾ بفتح الياء، والآخرون بإسكانها.
الثاني : قالت الرافضة : الظالم هو رجل بعينه، وإن المسلمين عرفوا اسمه وكتموه، وجعلوا فُلاناً بدلاً من اسمه، وذكروا فاضلين من أصحاب الرسول.
ومن حمل الألف واللام على العموم، لأنها إذا دخلت على الاسم المفرد أفادت العموم بالقرينة، وهي أنَّ ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعلية الوصف، فدلّ على أنَّ المؤثر في العض على اليدين كونه ظالماً، فيعم الحكم لعموم علته.
٥٢١