مَّكَاناً}، ويجوز أن يكون " أُولَئِكَ " بدلاً أو بياناً للموصول، و " شَرٌّ مَكَاناً " خبر الموصول.
قوله :﴿أُوْلَـائِكَ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ منزلاً ومصيراً من أهل الجنة " وأضل سبيلاً " وأخطأ طريقاً وههنا سؤال كما تقدم في قوله :﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً﴾ [الفرقان : ٢٤].
ولما تكلم في التوحيد، ونفي الأنداد وإثبات النبوة وأحوال القيامة شرع في ذكر القصص على الطريقة المعلومة.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٢٦
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ الآية.
لما قال :﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان : ٣١] وذكر ذلك في معرض التسلية له، ذكر جماعة من الأنبياء، وعرفه تكذيب أممهم، والمعنى : لست يا محمد بأول من أرسلنا فكذب (وآتيناه الآيات فرُدّ) : فقد آتينا موسى الكتاب، وقوينا عضده بأخيه هارون (ومع ذلك فقد رُدّ).
فإن قيل : كون هارون وزيراً كالمنافي لكونه شريكاً، بل يجب أن يقال : إنه لما صار (شريكاً) خرج عن كونه وزيراً.
فالجواب : لا منافاة بين الصنفين، لأنه لا يمنع أن يشركه في النبوة ويكون وزيراً، وظهيراً، ومعيناً له.
ولا وجه لقول من قال في قوله :" فَقُلْنَا اذْهَبا " إنه خطاب لموسى عليه السلام وحده بل يجري مجرى قوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه : ٤٣].
قوله :" هَارونَ " بدل، أو بيان، أو منصوب على القطع و " وَزِيراً " مفعول ثان، وقيل : حال، والمفعول الثاني قوله " معه ".
قال الزجاج : الوزير في اللغة الذي يرجع إليه ويعمل برأيه، والوزر ما يعتصم به، ومنه :﴿كَلاَّ لاَ وَزَرَ﴾ [القيامة : ١١]
٥٣٠
أي : لا منجى ولا ملجأ.
قال القاضي : ولذلك لا يوصف تعالى بأن له وزيراً.
قوله :﴿فَقُلْنَا اذْهَبَآ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ يعني القبط.
قوله :" فَدمَّرْنَاهُمْ ".
العامة على " فَدَمَّرْنَا " فعلاً ماضياً معطوفاً على محذوف، أي : فذهب فكذبوهما " فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْميراً " أهلكناهم إهلاكاً.
وقرأ عليّ - كرم الله وجهه - " فدمِّراهم " أمر لموسى وهارون، وعنه أيضاً :" فَدَمِّرَانِّهِمْ " كذلك أيضاً، ولكنه مؤكد بالنون الشديدة، وعنه أيضاً :" فدمِّرا بِهِم " بزيادة باء الجر بعد فعل الأمر، وهي تشبه القراءة قبلها في الخط، ونقل عنه الزمخشري " فَدَمَّرْتُهم " بتاء المتكلم.
فإن قيل : الفاء للتعقيب، والإهلاك لم يحصل عقيب بعث موسى وهارون إليهم بل بعد مدة مديدة.
فالجواب : فاء التعقيب محمولة هنا على الحكم بالإهلاك لا على الوقوع.
وقيل : إنه تعالى أراد اختصار القصة فذكر المقصود منها أولها وآخرها، والمراد إلزام الحجة ببعثة الرسل، واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
واعلم أن قوله :" كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا " إن حملنا تكذيب الآيات على تكذيب الآيات الإلهية فلا إشكال، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة، فاللفظ وإن كان للماضي فالمراد به المستقبل.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٣٠
قوله تعالى :﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ الآية.
يجوز أن يكون " قَوْمَ " منصوباً عطفاً على مفعول
٥٣١
" دَمَّرْنَاهم "، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مضمر قوله :" أَغْرَقْنَاهُمْ " وترجح هذا بتقديم جملة فعلية قبله.
هذا إذا قلنا : إن " لما " ظرف زمان، وأما إذا قلنا إنها حرف وجوب لوجوب فلا يتأتى ذلك، لأن " أَغْرَقْنَاهُمْ " حينئذ جواب " لما "، وجوابها لا يفسر، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدر لا على سبيل الاشتغال، أي : اذكر قوم نوح.
فصل إنما قال :" كذبوا الرسل " إما لأنهم كانوا من البراهمة المنكرين لكل الرسل، أو لأن تكذيبهم لواحد تكذيب للجميع، لأن من كذب رسولاً واحداً فقد كذب جميع الرسل.
وقوله " أَغْرَقْنَاهُمْ ".
قال الكلبي : أمطرنا عليهم السماء أربعين يوماً، وأخرج ماء الأرض أيضاً في تلك الأربعين، فصارت الأرض بحراً واحداً.
" وَجَعَلْنَاهُمْ " أي : جعلنا إغراقهم وقصتهم " للناس آية " للظالمين أي : لكل من سلك سبيلهم، " وأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمينَ " في الآخرة " عَذَاباً أَلِيماً ".
قوله تعالى :﴿وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ الآية، " وعَادَاً " فيه ثلاثة أوجه : أن يكون معطوفاً على " قَوْمِ نُوح "، وأن يكون معطوفاً على مفعول " جَعَلْنَاهُمْ " وأن يكون معطوفاً على محل " لِلظَّالِمِينَ " لأنه في قوة وعدنا الظالمين بعذاب.
قوله :" وأَصْحَابَ الرَّسِّ " فيه وجهان :
٥٣٢