أحدهما :(أنه) من عطف المغاير، وهو الظاهر.
والثاني : أنه من عطف بعض الصفات على بعض.
والمراد بـ " أَصْحَابَ الرَّسِّ " ثمود، لأن الرّسّ البئر التي لم تطو عن أبي عبيدة، وثمود أصحاب آبار.
وقيل :" الرَّسُّ " نهر بالمشرق (وكانت قرى أصحاب الرس على شاطئ فبعث الله إليهم نبياً من أولاد يهودا بن يعقوب فكذبوه، فلبثت فيهم زماناً يشتكي إلى الله منهم، فحفروا بئراً ورسوه فيها، وقالوا : نرجو أن يرضى عنا إلهنا، وكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم وهو يقول : إلهي ترى ضيق مكاني، وشدة كربي، وضعف قلبي، وقلة صلتي فجعل قبض روحي حتى مات، فأرسل الله ريحاً عاصفة شديدة الحر، وصارت الأرض من تحتهم كبريتاً متوقداً، وأظلتهم سحابة سوداء، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص) ويقال : إنهم أناس عبدة أصنام قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي ؛ دسوه فيها وقال قتادة والكلبي : الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم وهو حنظلة بن صفوان وقيل : هم بقية ثمود قوم صالح، وهم أصحاب البئر التي ذكر الله تعالى في قوله :﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ [الحج : ٤٥].
وقال كعب ومقاتل والسدي : الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النجار، ورسوه في بئر، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة يس.
وقيل : هم أصحاب الأخدود، والرس هو الأخدود الذي حفروه.
وقال عكرمة : هم قوم رسوا نبيهم في بئر.
وقيل : الرس المعدن، وجمعه
٥٣٣
رساس وروي عن علي - رضي الله عنه - : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة الصَّنَوْبَر وسموا أصحاب الرس ؛ لأنهم رسوا نبيهم في الأرض.
وروى ابن جرير عن النبي - ﷺ - " أن الله بعث نبياً إلى أهل قرية، فلم يؤمن به من أهل القرية أحد إلا عبد أسود، ثم إنهم حفروا للرسول بئراً وألقوه فيها، ثم طبقوا عليها حجراً ضخماً، وكان ذلك الرجل الأسود يحتطب ويشتري له طعاماً وشراباً، ويرفع الصخرة ويدليه إليه، فكان ذلك ما شاء الله فاحتطب يوماً، فلما أراد أن يحملها وجد نوماً، فاضطجع، وضرب الله على أذنه تسع سنين، ثم هَبّ واحتمل حزمته واشترى طعاماً وشراباً، وذهب إلى الحفرة فلم يجد أحداً، وكان قومه قد استخرجوه فآمنوا به، وصدقوه، وكان ذلك النبي يسألهم عن الأسود، ويقول لهم إنه أول من يدخل الجنة ".
قوله :( " وقُروناً " ) أي : وأهلكنا قروناً كثيرة بين عاد وأصحاب الرس والقرون : جمع قرن، قال عليّ - رضي الله عنه - : القرن أربعون سنة، وهو قول النخعي.
وقيل : مائة وعشرون سنة.
وقيل غير ذلك.
وتقدم الكلام عليه في سورة سبحان عند قوله :﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء : ١٧].
قوله :" بَيْنَ ذَلك " " ذلك " إشارة إلى من تقدم ذكره، وهم جماعات، فلذلك حسن دخول " بَيْنَ " عليه.
وقد يذكر الذاكر بحوثاً ثم يشير إليها بذلك، ويحسب الحاسب أعداداً متكاثرة، ثم يقول : فذلك كيت وكيت، أي ذلك المحسوب أو المعدود.
قوله :" وكُلاً " يجوز نصبه بفعل يفسره ما بعده، أي : وحذرنا أو ذكرنا، لأنها في معنى ضربنا له الأمثال.
ويجوز أن يكون معطوفاً على ما تقدم، و " ضَرَبْنَا " بيان لسبب إهلاكهم.
وأما " كُلاًّ " الثانية فمفعول مقدم.
٥٣٤
قوله :﴿ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ﴾ أي : الأشباه في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار.
وقيل : بيَّنَّا لهم وأزحنا عللهم فلما كذبوا " تَبَّرْنَاهُمْ تَتْبِيرا " أي : أهلكناهم إهلاكاً.
وقال الأخفش : كسرنا تكسيرا.
قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتَّتَّه فقد تَبَّرته.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٣١
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِى أُمْطِرَتْ (مَطَرَ السَّوْءِ)﴾ الآية.
أراد بالقرية قريات لوط، وكانت خمس قرى، فأهلك الله منها أربعاً ونجت واحدة، وهي (صقر) كان أهلها لا يعملون العمل الخبيث.
يعني أن قريشاً مَرُّوا مُرُوراً كثيراً إلى الشام على تلك القرى، ﴿الَّتِى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ أي : أهلكت بالحجارة من السماء، ﴿أفلم يكونوا يرونها﴾ في مرورهم وينظروا إلى آثار عذاب الله ونكاله فيعتبروا ويتذكروا.
قوله :" مَطَرَ السَّوْءِ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مصدر على حذف الزوائد أي : أمطار السوء.
الثاني : أنه مفعول ثان ؛ إذ المعنى : أعطيتها وأوليتها مطر السوء.
الثالث : أنه نعت مصدر محذوف، أي : أمطاراً مثل مطر السوء وقرأ زيد بن عليّ " مُطِرَتْ " ثلاثياً مبنياً (للمفعول)، ومطر متعد قال :
٣٨٧٥ - كَمَنْ بِوَادِيهِ بَعْدَ المَحْلِ مَمْطُورُ
٥٣٥