وقرأ أبو السمال " مطر السُّوء " بضم السين، وتقدم الكلام على السوء والسوء في براءة.
وقوله :﴿أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ﴾ إنما عُدِّي (أتى) بـ (على)، لأنه ضُمِّن معنى مرَّ.
قوله :﴿بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً﴾ في هذا الرجاء ثلاثة أوجه : أقواها ما قاله القاضي : وهو أنه محمول على حقيقة الرجاء ؛ لأن الإنسان لا يحتمل متاعب التكليف إلا رجاء ثواب الآخرة، فإذا لم يؤمن بالآخرة لم يَرْجُ ثوابها فلا يتحمل تلك المشاق.
وثانيها : معناه لا يتوقعون نشورا، فوضع الرجاء موضع التوقُّع ؛ لأنه إنما يتوقع العاقبة من يؤمن.
وثالثها : معناه :(لا يخافون) على اللغة التهامية.
وهو ضعيف.
قوله :" وإذَا رَأَوْكَ " الآية.
لما بين مبالغة المشركين في إنكار نبوته بإيراد الشبهات بين بعد ذلك أنهم إذا رأوا الرسول اتخذوه هزواً، ولم يقتصروا على ترك الإيمان به بل زادوا عليه بالاستهزاء والاستحقار، ويقول بعضهم لبعض :﴿أَهَـاذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً﴾.
قوله :" إِنْ يَتَّخِذُونَكَ " " إنْ " الأولى نافية، والثانية مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينهما، و " هُزُوًّا مفعول ثان، ويحتمل أن يكون التقدير : موضع هُزْءٍ وأن يكون مهزوءاً بك.
وهذه الجملة المنفية تحتمل وجهين : أحدهما : أنها جواب (إذا) الشرطية، واختصت (إذا) بأن جوابها متى كان منفياً بـ (ما) أو (إن) أو (لا) لا تحتاج إلى الفاء بخلاف غيرها من أدوات الشرط فعلى هذا يكون قوله :" أَهَذَا الَّذي " في محل نصب بالقول المضمر، وذلك القول المضمر في محل نصب على الحال، أي : إن يتخذونك قائلين ذلك.
٥٣٦
والثاني : أنها جملة معترضة بين (إذا) وجوابها.
وجوابُها هو ذلك القول المضمر المحكي به " أهذا الذي " والتقدير : وإذا رأوك قالوا أهذا الذي بعث، فاعترض بجملة النفي، ومفعول " بعث " محذوف هو عائد الموصول، أي : بعثه.
و " رسولاً " على بابه من كونه صفة فينتصب على الحال، وقيل : هو مصدر بمعنى رسالة، فيكون على حذف مضاف، أي ذا رسول بمعنى رسالة، أو يجعل نفس المصدر مبالغة، أو بمعنى : مرسل.
وهو تكلف.
قوله :﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا﴾ تقدم نظيره في سبحان.
قوله :﴿لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا﴾ جوابها محذوف، أي : لضللنا عن آلهتنا.
قال الزمخشري : و " لولا " في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى لا من حيث الصيغة مجرى التقيد للحكم (المطلق).
فصل قال المفسرون : إن أبا جهل كان إذا مر بأصحابه على رسول الله - ﷺ - قال مستهزءاً :" أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً " " إنْ كَادَ " قد كاد " لَيُضِلُّنَا " أي : قد قارب أن يضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها أي :(أي لو لم نصبر عليها) انصرافا عنها، ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ من أخطأ طريقاً.
(واعلم أن الله تعالى أخبر عن المشركين أنهم متى رأوا الرسول - عليه الصلاة والسلام - أتوا بنوعين من الأفعال.
أحدهما : الاستهزاء، فيقولون :﴿أَهَـاذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً﴾ وذلك جهل عظيم، لأن الاستهزاء إما أن يكون بصورته أو بصفته والأول باطل، لأنه - عليه
٥٣٧
الصلاة والسلام - كان أحسن منها صورة وخلقة)، وبتقدير أنه لم يكن كذلك، لكنه - عليه الصلاة والسلام - ما كان يدعي التميز عنهم بالصورة بل بالحجة.
والثاني باطل، لأنه - عليه الصلاة والسلام - ادَّعى التميز عليهم بظهور المعجز عليه دونهم، وأنهم ما قدروا على القدح في حجته، ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم، ثم إنهم لوقاحتهم قلبوا القضية، واستهزءوا بالرسول، وذلك يدل على (أنه ليس للمبطل في كل الأوقات) إلا السفاهة والوقاحة.
والنوع الثاني : قولهم :﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا﴾ فَسَمُّوا ذلك ضلالاً، وذلك يدل على أنهم كانوا مبالغين في تعظيم آلهتهم، ويدل على جده واجتهاده في صرفهم عن عبادة الأوثان فلهذا قالوا :﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا﴾، وذلك يدل على أنهم كانوا مقهورين بالحجة، ولم يكن في أيديهم إلا مجرد (الوقاحة).
قوله :" من أضل " جملة استفهامية معلقة بـ " يَعْلَمُون " فهي سادَّةٌ مسدّ مفعوليها إن كان على بابها، ومسدّ واحد إن كانت بمعنى (عرف).
ويجوز في " من " أن تكون موصولة، و " أَضَلَّ " خبر مبتدأ مضمر هو العائد على " من " تقديره : من هو أضل، وإنما حذف للاستطالة بالتمييز، كقولهم : ما أنا بالذي قائل لك سوءاً.
وهذا ظاهر إن كانت متعدية لواحد، وإن كانت متعدية لاثنين فيحتاج إلى تقدير ثان ولا حاجة إليه.
٥٣٨


الصفحة التالية
Icon