قوله :" مِنَ المَاءِ " يجوز أن يكون متعلقاً بـ " خَلَقَ " وأن يتعلق بمحذوف حالاً من ماء، و " مِنْ " لابتداء الغاية، أو للتبعيض.
قوله :﴿فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً﴾ أي : جعله ذا نسب وصهر قال الخليل : لا يقال لأهل بيت المرأة إلا الأصهار، ولا لأهل بيت الرجل إلا أختان.
قال : ومن العرب من يطلق الأصهار على الجميع.
وهذا هو الغالب.
وقيل : النسب ما لا يحل نكاحه، والصهر ما يحل نكاحه، والنسب ما يوجب الحرمة، والصهر ما لا يوجبها.
والصحيح أن النسب من القرابة والصهر الخلطة التي تشبه القرابة وهو النسب المحرم للنكاح، وقد تقدم أن الله تعالى حرم بالنسب سبعاً وبالسبب سبعاً في قوله عز وجل :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء : ٢٣] ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾ حيث خلق من النطفة نوعين من البشر الذكر والأنثى.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٥١
قوله تعالى :﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ الآية.
لما ذكر دلائل التوحيد عاد إلى تهجين سيرتهم فقال " وَيَعْبُدُونَ " أي : هؤلاء المشركون ﴿مَا لاَ يَنفَعُهُمْ﴾ إن عبدوه " وَلاَ يَضرُّهُمْ " إن تركوه، ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً﴾ أي : معيناً للشيطان على ربه بالمعاصي.
قال الزجاج : يعاون الشيطان على معصية الله، لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان.
فإن قيل كيف يصح في الكافر أن يكون معاوناً للشيطان على ربه بالعداوة.
فالجواب أنه تعالى ذكر نفسه وأراد رسوله فقال :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ [الأحزاب : ٥٧].
وقيل : معناه : وكان الكافر على ربه هيناً ذليلاً، كما يقول الرجل لمن يستهين به : جعلني بظهر، أي : جعلني هيناً، ويقال : ظهرت به : إذا جعلته خلف ظهرك، كقوله :﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً﴾ [هود : ٩٢].
٥٥٢
قال أبو مسلم : وقياس العربية أن يقال : مظهوراً، أي : مستخف به متروك وراء الظهر، فقيل فيه : ظهير بمعنى مظهور، ومعناه : هين على الله أن يكفر الكافر، وهو تعالى مستهين بكفره.
والمراد بالكافر قيل : أبو جهل، لأن الآية نزلت فيه.
والأولى حمله على العموم لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ.
قيل : ويجوز أن يريد بالظهير الجماعة كقوله :﴿وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم : ٤] كالصديق والخليط، فعلى هذا يكون المراد بالكافر الجنس، وأن بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء نور الله قال تعالى :﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ [الأعراف : ٢٠٢].
قوله :" عَلَى رَبِّهِ " يجوز أن يتعلق بـ " ظَهِيراً "، وهو الظاهر، وأن يتعلق بمحذوف على أنه خبر " كان " و " ظهيراً " حال، والظهير المعاون.
قوله :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ أي : منذراً، ووجه تعلقه بما تقدم أن الكفار يطلبون العون على الله ورسوله والله تعالى بعث رسوله لنفعهم، لأنه بعثه ليبشرهم على الطاعة وينذرهم على المعصية، فيستحقوا الثواب، ويحترزوا عن العقاب فلا جهل أعظم من جهل من استفرغ جهده في إيذاء شخص استفرع جهده في إصلاح مهماته ديناً ودنياً، ولا يسألهم على ذلك ألبتة أجراً.
قوله :﴿إِلاَّ مَن شَآءَ﴾ فيه وجهان : أحدهما : وهو منقطع، أي : لكن من يشاء ﴿أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ فليفعل.
والثاني : أنه متصل على حذف مضاف، يعني : إلا أجر من، أي : الأجر الحاصل على دعائه إلى الإيمان وقبوله، لأنه تعالى يأجرني على ذلك.
حكاه أبو حيان وفيه نظر، لأنه لم يسند السؤال المنفي في الظاهر إلى الله تعالى إنما أسنده إلى المخاطبين فكيف يصح هذا التقدير.
فصل المعنى : ما أسألكم على تبليغ الوحي من أجر، فتقولوا إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتبعه.
٥٥٣
وقوله :﴿إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ استثناء منقطع معناه : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً بإنفاق ماله في سبيله فعل ذلك.
والمعنى : لا أسألكم لنفسي أجراً، ولكن لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله واتخاذ السبيل إلى جنته.
قوله :﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ﴾ الآية.
لما تبين أن الكفار يتظاهرون على إيذائه، وأمره أن لا يطلب منهم أجراً، أمره بأن يتوكل عليه في دفع جميع المضار، وفي جلب جميع المنافع، وإنما قال :﴿عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ﴾، لأن من توكل على الحي الذي يموت فإذا مات المتوكَّل عليه صار المتوكِّل ضائعاً، وأما الله تعالى فهو حي لا يموت فلا يضيع المتوكِّل عليه.
" وَسَبِّحْ بَحَمْدِهِ " قيل : المراد بالتسبيح الصلاة.
وقيل : قل سبحان الله والحمد لله.
﴿وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً﴾ عالماً، وهذه كلها يراد بها المبالغة، يقال كفى بالعلم جمالاً، وكفى بالأدب مالاً وهو بمعنى حسبك، أي لا يحتاج معه إلى غيره، لأنه خبير بأحوالهم قادرٌ على مكافأتهم وهذا وعيد شديد.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٥٢