الحكم، فيلزم أن تكون علّة الفلاح في فعل الإيمان والصلاة والزكاة، فمن أخلّ بهذه الأشياء لم تحصل له علّة الفلاح، فوجب إلا يحصل الفلاح.
وأما المُرْجئة : فقد احتجّوا بأن الله حكم بالفَلاَح على الموصوفين بالصفات المذكورة في هذه الآية، فوجب أن يكون الموصوف بهذه الأشياء مفلحاً، وأن زَنَى وشَرِبَ الخَمْرَ وسَرَقَ، وإذا ثبت تحقق العفو في هذه الطائفة ثبت في غيرهم ضرورة ؛ لأنه لا قائل بالفرق.
قال ابن الخطيب : والجواب أن كل واحد من الاحتجاجيين معارض بالآخر، فيتساقطان.
والجواب عن قول الوعيدية : أن قوله :" أولئك هم المفلحون " يدل على أنهم الكاملون في الفلاح، فيلزم أن يكون صاحب الكبيرة غير كامل الفلاح، ونحن نقول بموجبه، فإنه كيف يكون كاملاً في الفلاح، وهو غير جازمٍ بالخلاص من العذاب، بل يجوز له أن يكون خائفاً.
وعن الثاني : أن نفي السبب لا يقتضي نفي المسبب، فعندنا من أسباب الفلاح عفو الله تَعَالى.
٣٠٦
والجواب عن قول المرجئة : أنّ وصفهم بالتقوى يكفي لنَيْلِ الثواب ؛ لأنه يتضمّن اتقاء المعاصي، واتقاء ترك الواجبات، والله أعلم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٢
اعلم أن الحروف لا أَصْلَ لها في العمل، لكن الحروف أشبه الفعل صورة ومعنى، فاقتضى كونه عاملاً.
أما المُشَابهة في اللفظ فلأنه تركّب من ثلاثة أحرف انفتح آخرها، ولزمت الأسماء كالأفعال، وتدخل نون الوقاية نحو " إنّني وكأنّني " كما تدخل على الفعل نحو :" أعطاني وأكرمني "، وأما المعنى فلأنه يفيد معنى في الاسم، فلما اشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل.
روى ابن الأنباري " أن الكِنْدِيّ " المتفلسف ركب إلى المبرد وقال : إني أجد في كلام العرب حشواً، أجد العرب تقول :" عبد الله قائم "، ثم يقولون :" إنَّ عبد الله قائم " ثم يقولون :" إنَّ عبد الله لقائم ".
فقال المبرد : بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ : فقولهم :: عبد الله قائم " إخبار عن قيامه، وقولهم :" إن عبد الله قائم " جواب عن سؤال سائل، وقولهم :" إن عبد الله لقائم " جواب عن إنكار منكر لقيامه.
واحتج عبد القاهر على صحّة قوله بأنها إنما تذكر جواباً لسؤال سائلٍ بقوله تعالى :﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ [الكهف : ٨٣] إلى أن قال :﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ﴾ [الكهف : ٨٤]، وقوله :﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ [الكهف : ١٣]، وقوله :﴿فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِى ءٌ﴾ [الشعراء : ٢١٦].
قال عبد القاهر : والتحقيق أنّها للتأكيد، فإذا كان الخبر ليس يظنّ المخاطب خلافه لم يحتج إلى " أن "، وإنما يحتاج إليها إذا ظنّ السامع الخلاف، فأما دخوله اللاّم معها في جواب المنكر، فلأن الحاجة إلى التأكيد أشد.
فإن قيل : فلم لا دخلت " اللام " في خبرها في قوله تعالى :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون : ١٦]، وأدخل " اللام " في خبرها في قوله قبل ذلك :{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ
٣٠٧