والعامة " يَمْشُون " بالتخفيف مبنياً للفاعل]، واليماني والسلمي بالتشديد مبنياً للمفعول.
فصل هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل وإلا فالخلق كلهم عباد الله.
قوله :" هَوْناً " إما نعت مصدر، أي : مشياً هوناً، وأما حال أي : هَيِّنينَ، والهون : اللين والرفق، أي يمشون بالسكينة والوقار متواضعين، ولا يضربون بأقدامهم أشراً وبطراً ولا يتبخترون خيلاء.
وقال الحسن : علماء حكماء.
وقال محمد ابن الحنفية : أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون﴾ يعني السفهاء بما يكرهونه " قَالُوا سَلاَماً ".
قال مقاتل : قولاً يسلمون فيه من الإثم.
وقيل : المعنى : لا نجاهلكم.
وقيل : المراد حلمهم في مقابلة الجهل.
وقال الأصم :" قَالُوا سَلاَماً " أي : سلام توديع لا محبة، كقول إبراهيم - عليه السلام - لأبيه :" سَلاَمٌ عَلَيْكَ ".
قال الكلبي وأبو العالية : نسختها آية القتال.
قوله :" سَلاَماً " يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل مقدر أي : نسلم سلاماً أو نسلم تسليماً منكم لا نجاهلكم فأقيم السلام مقام التسليم، ويجوز أن ينتصب على المفعول به، أي : قالوا هذا اللفظ، قال الزمخشري : أي قالوا سداداً من القول يسلمون فيه من الأذى، والمراد سلامتهم من السفه، كقوله : ٣٨٨٥ - أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا
فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٦٢
ورجح سيبويه أن المراد بالسلام السلامة لا التسليم، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط
٥٦٣
بالتسليم على الكفرة، وإنما أمروا بالمسالمة، ثم نسخ ذلك، ولم يذكر سيبويه نسخاً إلا في هذه الآية.
قوله :﴿وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً﴾.
لما ذكر وصفهم بالنهار من وجهين : أحدهما : ترك الإيذاء بقوله :﴿يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً﴾.
والثاني : تحمل الإيذاء بقوله :﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾ شرح صفتهم في الليل.
قال الزجاج : كل من أدركه الليل قيل : بات وإن لم ينم كما يقال : بات فلان قلقاً.
والمعنى يبيتون لربهم سجداً على وجوههم، وقياماً على أقدامهم قال ابن عباس : من صلى بعد العشاء ركعتين فقد بات ساجداً وقائماً.
وروى عثمان بن عفان قال : قال رسول الله - ﷺ - :" من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة ".
قوله :" سُجَّداً " خبر " يَبِيتُون "، ويضعف أن تكون تامة.
أي : دخلوا في البيات، و " سُجَّداً " حال و " لِرَبِّهِمْ " متعلق بـ " سُجَّداً ".
وقدم السجود على القيام وإن كان بعده في الفعل، لاتفاق الفواصل.
و " سُجَّداً " جمع ساجد كضُرَّاب في ضارب.
وقرأ أبو البرهسيم " سُجُوداً " بزنة قعود، ويبيت هي اللغة الفاشية، وأزد السَّراة وبجيلة يقولون : يبات، وهي لغة العوام اليوم.
قوله :﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾.
قال ابن عباس : يقولون في سجودهم وقيامهم هذا القول.
قوله :" غَرَاماً " أي : لازماً دائماً، وعن الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلاّ غريم جهنم.
وأنشد بشر بن أبي خازم :
٥٦٤
٣٨٨٦ - وَيَومَ النِّسَار وَيَوْمَ الجِفَا
رِ كَانَا عَذَاباً وَكَانَ غرَاما
وقول الأعشى : ٣٨٨٧ - إن يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَاماً وإن يُعْـ
ـطِ جَزِيلاً فإنَّهُ لاَ يُبَالِي
فـ (غَرَاماً) بمعنى شر لازم، وقيل : خسراناً ملحّاً لازماً، ومنه الغريم لإلحاحه وإلزامه، ويقال : فلان مغرم بالنساء، إذا كان مولعاً بهن، وسأل ابن عباس نافع بن الأزرق عن الغرام فقال : هو الوجع.
قوله :﴿إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾.
يجوز أن تكون " ساءت " بمعنى أحزنت، فتكون متصرفة ناصبة المفعول، وهو هنا محذوف، أي : أنها يعني جهنم أحزنت صحابها و " مُسْتَقرًّا " يجوز أن تكون تمييزاً وأن تكون حالاً.
ويجوز أن تكون " سَاءَتْ " بمعنى بئست، فتعطي حكمها، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً، وفي " ساءت " ضمير مبهم يفسره مستقر و " مستقراً " يتعين أن يكون تمييزاً، أي : سَاءَتْ هي، فهي مخصوص وهو الرابط بين هذه الجملة وبين مَا وَقَعَتْ خبراً عنه، وهو " إنَّها كذا قدَّره أبو حيان، وقال أبو البقاء :" مُسْتَقَرًّا " تمييز، و " سَاءَتْ " بمعنى بئْسَ.
فإن قيل : يلزم من هذا إشكال، وذلك أنه يلزم تأنيث فعل الفاعل المذكَّر من غير مسوِّغ لذلك، فإنَّ الفاعل في " سَاءَتْ " على هذا يكون ضميراً عائداً على ما بعده، وهو " مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً "، وهما مذكران، فن أين جاء التأنيث ؟ والجواب : أن المستقرَّ عبارة عن جهنَّم فلذلك جاز تأنيث فعله، ومثله قوله :
٥٦٥
٣٨٨٨ - أَوْ حُرَّةٌ عَيْطَلٌ ثَيْجَاءَ مُجْفَرَةٍ
دَعَائِمَ الزَّوْرِ نِعْمَتْ زَوْرَقُ البَلَدِ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٦٢