أي برسالة.
وإما لأنهما ذَوَا شريعة واحدة فنُزِّلا منزلة رسول.
وإما لأن المعنى : كل واحد منا رسول.
وإما لأنه من وضع الواحد موضع التثنية لتلازمهما، فصارا كالشيئين المتلازمين، كالعينين واليدين.
وحيث لم يقصد هذه المعاني طابق في قوله :﴿أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ﴾ [طه : ٤٧].
وقال أبو عبيد : يجوز أن يكون " الرسول " بمعنى الاثنين والجمع، تقول العرب : هذا رسولي ووكيلي، [وهذان رسولي ووكيلي]، وهؤلاء رسولي ووكيلي، كما قال :﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [الكهف : ٥٠].
قوله :" أَنْ أَرْسِلْ ".
يجوز أن تكون مفسِّرة لـ " رَسولُ " إذا قيل : بأنه بمعنى
١٢
الرسالة، شرحا الرسالة بهذا وبيَّناها به.
ويجوز أن تكون المصدرية، أي : رسول بكذا، والمراد من هذا الإرسال : التخلية والإرسال : كقولك : أرسل البازي.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٠
قوله تعالى :﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً﴾.
العم أن في الكلام حذفاً، وهو أنهما أتياه وقالا ما أمر الله به، فعند ذلك قال فرعون ما قال.
روي أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب : إن هنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين.
فقال : ائذن له لعلنا نضحك منه، فأديا إليه الرسالة، فعرف موسى، فعدد عليه نعمه أولاً ثم إساءة موسى إليه.
أما النعم فهي قوله :﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً﴾ والوليد : الصبي، لقرب عهده من الولادة.
وقيل : الغلام، تسيمة له بما كان عليه.
و " وَلِيداً " حال من مفعول [نُرَبِّك]، وهو فعيل بمعنى مفعول.
قوله ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ قرا أبو عمرو في رواية بسكون الميم " عُمْرِكَ تخفيفاً لـ " فُعُل "، و " مِنْ عُمْرِكَ " حال من " سِنِينَ ".
قيل : لبث عندهم ثلاثين سنة، وقيل : وكَز القبطي، وهو ابن اثنتي عشرة سنة قوله " وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ".
قرا الشعبي :" فِعْلَتَكَ " بالكسر على الهيئة، لأنها نوع من القتل، وهي الوَكْزَةُ ﴿وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.
يجوز أن يكون
١٣
حالاً.
قال عباس : أي : وأنت من الكافرين لنعمتي أي : وأنت إذ ذاك ممن تكفرهم الساعة، وقد افترى عليه أو جهل أمره ؛ لأنه كان يعاشرهم بالتَّقيَّة، فإن الكفر غير جائز على الأنبياء قبل النبوة.
ويجوز أن يكون مستأنفاً، ومعناه وأنت ممن عادته كفران النعم، ومن كانت هذه حاله لم يستبعد منه قتل خواص ولي نعمه.
وقيل :" مِنَ الكَافِرينَ " بفرعون وإلاهيَّته، أو من الذين يكفرون في دينهم، فقد كانت لهم آلهة يعبدونها بدليل قوله :﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف : ١٢٧] قوله :﴿قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّالِّينَ﴾.
" إذاً " هنا حرف جواب فقط.
قال الزمخشري : إنها جوابٌ وجزاءٌ معاً قال : فإِنْ قُلْتَ :(إذاً) حرف جواب وجزاءً معاً، والكلام وقع جواباً لفرعون، فكيف وقع جزاء ؟ قلت : قول فرعون :" وفَعَلْتَ فَعْلتكَ " فيه معنى أنك جازيت نعمتي بما فعلت، فقال له موسى : نعم فعلتها مجازياً لك تسليماً لقوله، كأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تُجَازَى بنحو ذلك الجزاء.
قال أبو حيان : وهذا مذهب سيبويه، يعني : أنها للجزاء والجواب معاً، قال : ولكن شراح الكتاب فهموا أنها قد تتخلف عن الجزاء، والجواب معنى لازم لها.
فصل واعلم أن فرعون عدد عليه نعمه من تربيته وبليغه مبلغ الرجال، ووبخه بما جرى على يده من قتل أجناده، وعظم ذلك بقوله :﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ﴾.
ولما ذكر فرعون التربية ذكر القتل، وكانت تربيته معلومة ما أنكرها موسى - عليه السلام - وقد تقرر في العقول أن الرسول إلى الغير إذا كان معه معجزة وحجة لم يتغير حاله بأن يكون المرسل إليه أنعم عليه أو لم ينعم، صار قول فرعون غير مؤثر فالإعراض عنه أولى، ولكن أجاب عن القتل بما لا شيء أبلغ منه في الجواب، فقال :﴿قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ أي : من الجاهلين، أي : لم يأتني من عند الله شيء، أو من
١٤


الصفحة التالية
Icon