القلب، وليست من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن البنين والمال لا ينفعان، وإنما ينفع سلامة القلب، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل لاستثناء معنى.
قال أبو حاين : ولا ضرورة تدعو إلى حذف المضاف كما ذكر.
قال شهاب الدين : إنما قدر المضاف ليتوهم دخول المستثنى في المستثنى منه لأنه متى لم يتوهم ذلك لم يقع الاستثناء، ولهذا منعوا : صَهَلَتِ الخَيْلأُ إلاَّ الإِبِلَ.
إلاَّ بتأويل.
الثاني : أنه مفعول به قوله :" لاَ يَنْفَعُ " أي : لا ينفع المال والبنون إلا هذا الشخص فإن هينفعه ماله المصروف في وجوه البِرِّ وبنوه الصلحاء، لأنه علَّمهم وأحسن إليهم.
الثالث : أنه بدل من المفعول المحذوف، أو مستثنى منه، (إذ التقدير : لا ينفع مال ولا بنون أحداً من الناس إلا من كانت هذه صفته، والمستثنى منه) يحذف كقوله
٣٩١٢ - وَلَمْ يَنْجُ إِلاَّ جَفْنُ سَيْفٍ وَمِئْزَرا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٦
أي : ولم ينج بشيء.
الرابع : أنه بدل من فاعل " يَنْفَعُ " فيكون مرفوعاً.
قال أبو البقاء : وغلب من يعقل فيكون التقدير : إلاّ مالُ من، أو بنون من فإنه ينفع نفسه وغيره بالشفاعة.
قال شهاب الدين : وأبو البقاء خلط وجهاً بوجه، وذلك أنه إذا أردنا أن نجعله بدلاً من فاعل " يَنْفَعُ " قلنا : فيه طريقتان : إحداهما : طريقة التغليب، أي : غلَّبنا البنين على المال، فاستثنى من البنين
٤٩
فكأنه قيل : لا ينفع البنون إلا من أتى من البنين بقلب سليم فإنه ينفع نفسه بصلاحه وغيره بالشفاعة.
والطريقة الثانية : أن نقدر مضافاً محذوفاً قيل " من " أي : إلاّ مال من، أو بنو من، فصارت الأوجه خمسة.
ووجه الزمخشري اتصال الاستثناء بوجهين : أحدهما : إلا حالة ﴿مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ وهو من قوله :
٣٩١٣ - تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
وما ثوابه إلا السيف، ومثاله أن يقال : هل لزيدٍ مالٌ وبنون ؟ فيقال : مالُه وبنُوه سلامة قلبِهِ، يريد نَفْيَ المالِ والبنين عنه، وإثبات سلامة قلبه بدلاً عن ذلك.
والثاني : قال : وإن شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا من أتى الله، لأن غنى الرجل في دينه بسلامه قلبه، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه.
فصل وفي " السليم " ثلاثةأوجه : قال ابن الخطيب : أصحها : أن المراد منه سلامه النفس عن الجهل والأخلاق الرذيلة.
وقيل : السليم : الخالص من الشرك والشك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد، وهذا قول أكثر المفسرين.
وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم هو الصحيح، وهو قلب المؤمن، لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله تعالى :﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ [البقرة : ١٠][المائدة : ٥٢][الأنفال : ٤٩].
وقيل : السليم : هو اللديغ من خشية الله.
وقيل : السليم : هو الذي سَلَّم وأَسْلَم وسَالَم واسْتَسْلَم.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٦
قوله تعالى :﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي : أن الجنة تكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويفرحون بأنهم المحشورون إليها.
﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ﴾ أي : أُظْهِرَت.
وقرأ مالك بن دينار :" وبَرَزت " بفتح الباء والراء خفيفة مبنياً للفعل مسنداً لـ " الجحيم "، فلذلك رفع، والمراد بـ " الغاوين " الكافرون.
﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ﴾ : يمنعونكم من العذاب بنصرتهم، أو ينفعون أنفسهم بانتصارهم.
قوله :" فَكُبْكِبُوا " أي : أُلْقوا وَقُلِبَ بعضهم على بعض.
قال الزمخشري : الكَبْكَبَة.
تَكرِير الكبِّ، جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى.
وقال ابن عطية نحواً منه، قال : وهو الصحيح، لأن تكرير الفعل بَيِّنٌ نحو : صَرَّ وَصَرْصَرَ، وهذا هو مذهب الزجاج.
وفي مثل هذا البناء ثلاثة مذاهب : أحدها : هذا.
والثاني : وهو مذهب البصريين أن الحروف كلها أصول.
والثالث : وهو قول الكوفيين : أن الثالث مبدل من مثل الثاني : فأصل " كَبْكَبَ " : كَبَّبَ، بثلاث باءات، ومثله " لَمْلَمَ، وَكَفْكَفَ "، هذا إذا صح المعنى بسقوط الثالث،
٥١