فأما إذا لم يصح المعنى بسقوطه كانت كلها أصولاً من غير خلاف نحو :" سِمْسِم، وخِمْخِم ".
وواو " كُبْكِبُوا " قيل : للأَصنام، إجراء لها مجرى العقلاء.
وقيل :(لعابديها).

فصل قال ابن عباس : جمعوا.


وقال مجاهد : دُهْوِرُوا.
وقال مقاتل : قذفوا وقال الزجاج : طُرِحَ بعضُهم على (بعض).
وقال القتيبي : أُلْقُوا على رؤوسهم " هُمْ والغَاوُوْن " يعني : الشياطين، قاله قتادة ومقاتل.
وقال الكلبي : كَفَرَةُ الجن.
﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ أتباعه من الجن والغنس.
وقيل : ذريته.
قوله :﴿وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ جملة حالية معترضة بين القول ومعموله ومعمول الجملة القسمية.
قوله :﴿إِن كُنَّا لَفِي﴾.
مذهب البصريين : أن " إن " مخففة، واللام فارقة.
ومذهب الكوفيين : أن " إن " نافية، واللا اام بمعنى " إلا ".
فصل المعنى : قال الغاوون للشياطين والمعبودين ﴿وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ مع المعبودين، ويجادل بعضهم بعضا :﴿تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ يذكرون ذلك حين يروا صورها على وجه الاعتراف (بالخطأ العظيم وعلى) وجه الندامة لا على وجه المخاطبة، لأنها جماد لا تخاطب، وأيضاً فلا ذَنْبَ لها بأن عَبَدها غيرها.
ومما يدل على أن ذلك ليس
٥٢
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥١
قوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ الآيات.
لما قصَّ على محمد - ﷺ - خبر موسى وإبراهيم - عليهما السلام - تسلية له مما يلقاه من قومه قص عليه أيضاً نبأ نوح، فقد كان نبؤه أعظم من نبأ غيره، لأنه دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومع ذلك كذبه قومه.
قوله :" كَذَّبَتْ " إنما أَنتَ فعل القوم لأنه مؤنث بدليل تصغير " القوم " على (قُوَيْمَة) وقيل : لأن القوم بمعنى أُمَّةٍ، ولما كانت آحاده عقلاء ذكوراً وإناثاً عاد الضمير عليه باعتبار تغليب الذكور، فقيل : لهم أخوهم.
وحكى عنهم أنهم كذبوا المرسلين لوجهين : أحدهما : أنهم وإن كذبوا نوحاً لكن تكذيبه في المعنى يتضمن تكذيب غيره، لأن طريقة معرفة الرسل لا تختلف من حيث المعنى ؛ لأن كل واحد من المرسلين جاء بما جاء به الآخر، فلذلك حكى عنهم أنهم كذبوا المرسلين.
وثانيهما : أن قوم نوح كذبوا جميع رسل الله، إما لأنهم كانوا من الزنادقة أو من البراهمة.
٥٥
قوله :" أَخُوهُمْ " لأنه كان منهم، من قول العرب : يا أخا بني تميم.
يريدون يا واحداً منهم، فهو أخوهم في النسب لا في الدين " أَلاَ تَتَّقُونَ " أي : عقاب الله، فحذف مفعول (تَتَّقُونَ).
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ أي : على الوحي، وكان مشهوراً فيهم بالأمانة كمحمد - ﷺ - في قريش، فكأنه قال : كنتُ أميناً من قبل، فكيف تتهمونني اليوم ؟ ثم قال :" فاتَّقُوا الله " بطاعته وعبادته " وأَطِيْعُون " فيما أمرتكم به من الإيمان والتوحيد، ﴿وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ أي : على ما أنا فيه من ادعاء الرسالة.
لئلا يظن به أنه دعاهم رغبة في الدنيا، ثم قال :﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
فإن قيل : فلماذا كرر الأمر بالتقوى ؟ فالجواب : لأنه في الأول أراد : ألا تتقون مخالفتي، وأنا رسول الله، وفي الثاني : ألا تتقون مخالفتي ولست آخذاً منكم أجراً، فهو في المعنى مختلف، ولا تكرار فيه، وقد يقول الرجل لغيره : ألا تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيراً، ألا تتقي الله وقد علمتك كبيراً.
وإنما قدم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته، لأن تقوى الله علة لطاعته، فقدم العلة على المعلول.
قوله ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ﴾ " وَاتَّبَعَ " جملة حالية من كاف " لك ".
قال الزمخشري : والواو للحال، وحقها أن يضمر بعدها (قد) وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة :" وَأَتْبَاعُكَ " مرفوعاً جمع تابع " كَصَاحِبٍ وَأَصْحَاب " أو تَبيع كـ " شَرِيْف وأَشْرَاف "، أو " تبع " كـ(برم وأَبْرام) وفي رفعه وجهان : أحدهما : أنه مبتدأ، و " الأَرْذَلُونَ " خبره، والجملة حالية أيضاً.
والثاني : أنه عطف على الضمير المرفوع في " نُؤْمِنُ "، وحسَّنَ ذلك الفصل بالجار، و " الأَرْذَلُونَ " صفته.
٥٦


الصفحة التالية
Icon