قوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ﴾ تقدم نظيره.
وقُوله :﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا [هَاهُنَآ آمِنِينَ﴾ أي : أتظنون أنكم تتركون] في دياركم " آمِنِينَ " وتطعمون في أنه لا دار [للمجازاة].
وقوله :﴿فِي مَا هَاهُنَآ﴾ : في الذي استقر في هذا المكان من النعيم، ثم فسَّره [بقوله :﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ ].
قوله :" فِي جَنَّاتٍ " بدل في " فِي ما ههُنَا " بإعادة العامل، فصّل بعدما أجمل كما في القصة قبلها، و " ما " موصولة وظرف المكان صلتها.
قوله :" وَنَخْل " يجوز أن يكون من باب ذكر الخاص بعد العام، لأن الجنات تشمل النخل، ويجوز أن يكون تكريراً للشيء الواحد بلفظ آخر، فإنهم يطلقون الجنة ولا يريدون إلا النخيل، قال زهير :
٦٣
٣٩١٩ - كَأَنَّ عَيْنَيَّ فِي غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ
مِنَ النَّوَاضِعِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقَا
و " سُحُقاً " : جمع سَحُوق، ولا يوصف به إلا النخيل.
وقيل : المراد بـ " الجَنَّات " غيرها من الشجر، لأن اللفظ يصلح لذلك، ثم يعطف عليها النخل.
والطلع الكفرى وهو : عنقود التمر قبل خروجه من الكم.
وقال الزمخشري : الطلع : هو الذي يطلع من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو والقنو : هو اسم للخارج من الجذع كما هو بِعُرْجُونه، و " الهضيم " : قال ابن عباس : هو اللطيف، ومنه قولهم : كشح هضيم.
وروى عطية عنه : يانع.
وقال عكرمة : اللين.
وقيل : المتراكب.
قال الضحاك ومقاتل : قد ركب بعضه بعضاً حتى هضم بعضه بعضاً، أي : كسره.
وقال أهل المعاني : هو المنضم بعضه إلى بعض في وعائه قبل أن يظهر.
وقال الأزهري : الهضيم : هو الداخل بعضه في بعض من النضج والنعامة.
وقيل : هضيم، أي : هاضم يهضهم الطعام، وكل هذا للطافته.
قوله :" وَتَنْحَتُونَ ".
العامة على الخطاب وكسر الحاء.
والحسن وعيسى وأبو حيوة يفتحها.
وعن الحسن أيضاً :" تَنْحَاتُونَ " بألف للإشباع.
وعنه وعن أبي حيوة " يَنْحِتُونَ "
٦٤
بالياء من تحت، وتقدم ذلك كله في الأعراف.
قوله :" فَارِهِينَ ".
قرأ الكوفيون وابن ذكوان :" فارهين " بالألف، كما قرءوا :" حَاذِرُونَ " بها.
والباقون :" فَرِهِينَ " بدون ألف، كما قرءوا :" حَذِرُونَ " بدونها.
والفراهة : النشاط والقوة.
وقيل : الحذق، يقال دابة فاره، ولا يقال : فارهة، وقد فره يفره فراهة و " فارهين " حال من الناحتين.
فصل من قرأ :" فرهين " قال ابن عباس : أشِرين بطرين.
وقال عكرمة :(ناعمين).
وقال مجاهد : شرهين.
وقال قتادة : معجبين بصنيعكم.
وقال السدي : متجبرين.
وقال الأخفش : فرحين، والعرب تعاقب بين الحاء والهاء مثل : مدحته ومدهته.
وقال الضحاك : كيسين.
﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلاَ تُطِيعُوا ااْ أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾.
قال ابن عباس : المشركين.
وقال مقاتل : هم التسعة الذين عقروا الناقة (وهم الَّذِينَ) يُفْسِدُونَ فِي الأَرْض بالمعاصي " ولا يُصْلِحُونَ " مع قوله :﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾ ؟ فالجواب : أن فسادهم خالص ليس معه شيء من الصلاح كما يكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح.
ثم إن القوم أجابوه بقولهم :﴿إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾.
قال مجاهد.
٦٥
وقتادة : من المسحورين : من المخدوعين، أي : ممن سحر مرة بعد مرة.
وروى أبو صالح عن ابن عباس : أي : من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب.
قال المؤرج : المسحَّر : المخلوق بلغة بجيل، يريد : أنك تأكل الطعام والشراب، أي : لست بملك، بل أن تبشر مثلنا.
والمعنى :" من المسحرين " أي : ممن له سحر، وكل دابة تأكل فهي سحرة، والسحر : أعلى البطن.
وعن الفراء : المسحَّر : من له جوف، أراد : وإنك تأكل الطعام والشراب ﴿مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ فكيف تكون نبياً ؟ " فَأْتِ بِآيَةٍ " على صحة ما تقول ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أنك رسول الله إلينا.
فقال صالح :﴿هَـاذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ﴾ يجوز أن يكون الوصف وحده الجا روالمجرور، وهو قوله :( " لَهَا شِرْبٌ " ) و " شِرْبٌ " فاعل به لاعتماده.
ويجوز أن يكون " لَهَا شِرْبٌ " صفة لـ " ناقة ".
وقرأ ابن أبي عبلة :" شُرْبٌ " بالضم فيهما.
والشِّرْب - بالكسر - النصيب من الماء كالسِّقي، وبالضم : المصدر.
فصل روي أنهم قالوا : نريد ناقة عشراء تخرج من الصخرة فتلد سقباً.
فتفكر صالح، فقال له جبريل - عليه السلام - صلِّ ركعتين، وسل ربك الناقة.
ففعل، فخرجت الناقة، وبركت بين أيديهم، وحصل سقب مثلها في العظم، ثم قال لهم صالح :﴿هَـاذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ﴾ حظ ونصيب من الماء ﴿وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمِ مَعْلُومٍ﴾.
قال قتادة : كانت يوم شربها تشرب ماءهم كلهم وشربهم في اليوم الذي لاَ تشرب هي.
{وَلاَ
٦٦