تَمَسُّوهَا بِسُواءٍ} بعقر أو ضرب أو غيرهما ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ روي أن مسطعاً ألجأها إلى مضيف فرماها بسهم، فسقطت، ثم ضربها قدار.
﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ﴾ على عقرها.
فإن قيل : لم أخذهم العذاب وقد ندموا ؟ فالجواب : أن ندمهم كان عند معاينة العذاب حين لا ينفع الندم.
وقيل : لم يكن ندمهم ندم [التائبين، لكن ندم] [الخائفين] من العقاب العاجل.
﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٦٣
قوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ الآيات.
قوله :" مِنَ العالِمينَ ".
يحتمل عوده إلى الآتي، أي : أنتم من جملة العالمين مخصوصون بهذه الصفة، وهي إتيان الذكران.
[ويحتمل عوده إلى المأتى، أي : أنتم اخترتم الذكران] من العالمين لا الإناث منهم.
قوله :" مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ".
يصلح أن يكون تبييناً، وأن يكون للتبعيض، ويُراد بِمَا خلق العضو المباح منهن، وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم.
﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾.
معتدون مجاوزون الحلال إلى الحرام، والعادي : المعتدي في ظلمه.
والمعنى : أتركبون هذه المعصية على عظمها ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ في جميع المعاصي ﴿قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ أي : من جملة من أخرجناه من بلدنا، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ الأحوال.
٦٧
قوله :" لِعَمَلِكُمْ " كقوله :﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف : ٢١] وقد تقدم.
وقيل :" مِنَ القَالِينَ " صفة لخبر محذوف، هذا الجار متعلق به، أي : إني قال :﴿لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ﴾ المبغضين.
والقِلَى : البغض الشديد، كأنه بُغْضٌ يقلي الفؤاد والكبد.
وقوله " مِنَ القَالِينَ " أبلغ من أن يقول : إني لعملكم قالٍ، كما تقول : فلان من العلماء، أبلغ من قولك : فلان عالم.
ويجوز أن يراد : من الكاملين في قِلاكم.
[والقَالِي : المُبْغِضُ، يقال : قَلاَهُ يَقْلِيهِ قِلًى، وَيَقْلاَهُ، وهي شاذة، قال : ٣٩٢٠ - وَتَرْمِينَنِي بالطَّرْفِ أَيْ أَنْتَ مُذْنِبٌ
وَتقْلِينَنِي لكِنَّ إيَّاكِ لاَ أقْلِي
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٦٧
وقال آخر : ٣٩٢١ - والله مَا فَارَقْتكُمْ عَنْ قِلَى لكم
وَلكنَّ مَا يُقْضَى فَسَوْفَ يَكُونُ
واسم المفعول فيه :" مَقْلِيّ " والأصل :" مَقْلُويٌّ " فأدغم كـ " مَرْمِيٍّ " قال :
٣٩٢٢ - وَلَسْتُ بِمَقْليِّ الخِلاَلِ ولاَ قَالِي
٦٨
وغلط بعضهم فجعل ذلك من قولهم : قَلَى اللَّحْمَ، أي شَوَاهُ، فكأنه قلى كبده بالبغض ووجه الغلط أن هذا من ذوات الياءن وذلك من ذوات الواو.
يقال : قَلَى اللحمِ يَقْلُوه قَلْواً، فهو قال كَغَازٍ، و " مَقْلُوّ " كما تقدم]، ثم دعا فقال :﴿رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾ من العمل الخبيث.
قال الله تعالى :" فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ " من عقوبة عملهم ﴿إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ﴾ وهي امرأة لوط، بقيت في الهلاك والعذاب، فإنْ قيل :" فِي الغَابِرينَ " صفة لها، كأنه قيل : إلاَّ عَجُوزاً [غابرة، وإن لم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم ؟ فالجواب : معناه : إلاَّ عجوزاً] مقدراً غبورها.
قيل : إنما هلكت مع من خرج من القرية بما أمطر من الحجارة.
﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ﴾ أي : أهلكناهم ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ والمخصوص بالذم محذوف، أي :(مَطَرُهُمْ) قال وهب بن منبه : الكبريت والنار.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
فصل قال القاضي عبد الجبار في تفسير قوله :﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ دليل على بطلان الجبر من وجوه : الأول : أنه لا يقال :" تَذَرُونَ " إلاَّ مع القدرة على خلافه، ولذلك لا يقال للمرء : لم تذر الصعود إلى السماء، كما يقال : لم تذر (الدخول و) الخروج.
الثاني : أنه قال :﴿مَا خَلَقَ لَكُمْ﴾ ولو كان الفعل لله تعالى لكان الذي خلقه لهم ما خلقه فيهم ووجبه لا ما لم يفعلوه.
الثالث : قوله تعالى :﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ لإن كان تعالى خلق فيهم ما كانوا يعملون، فكيف ينسبون إلى أنهم تعدوا ؟ وهل يقال للأسود : إنك متعد في لونك ؟ وأجيب بأن حاصل هذه الوجوه يرجع إلى أن العبد لو لم يكن موجداً لأفعال نفسه لما
٦٩