[قال ابن كثير : ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره أنَّ أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين فقول ضعيف، وإنما عمدتهم شيئان.
أحدهما : أنه قال :﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾ ولم يقل :" أَخُوهُمْ " كما قال :﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾ [الأعراف : ٨٥].
والثاني : أنه ذكر عذابهم بـ " يَوْم الظُّلَّةِ " وذكر في أولئك " الرجفة والصيحة " والجواب عن الأول : أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله :" أَصْحَابُ الأَيْكَةِ " لأنه وصفهم بعبادة الأيكة، فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا، ولما نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم.
وأما احتجاجهم بـ " يَوْمِ الظُّلَّةِ " فإن كان دليلاً على أنهم أمة أخرى فليكن تعداد " الرجفة، والصيحة " دليلاً على أنهما أمتان، ولا يقول أحد.
وأيضاً فقد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان، فدلّ على أنهم أمة واحدة أهلكوا بأنواع من العذاب، وذكر في كل موضع ما يناسب ذلك الخطاب، فاجتمعوا تحت الظلّة، ورجفت بهم الأرض من تحتهم، وجاءتهم صيحة من السماء].
قوله :﴿أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ﴾ الناقصين لحقوق الناس بالكيل والوزن.
واعلم أنَّ الكيل على ثلاثة أضرب : وافٍ، وطفيف، وزائد.
فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء بقوله :" أَوْفُوا الكَيْلَ " ونهى عن المحرم الذي هو التطفيف بقوله :﴿وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ﴾، ولم يذكر الزائد، لأنه إن فعله فقد أحسن، وإن لمك يفعله فلا إثم عليه.
ثم لما أمر بالإيفاء بين كيف يفعل، فقال :﴿وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾.
قرىء :" بالقُسْطَاسِ " مضموماً ومكسوراً، وهو : الميزان وقيل : القَرَسْطُون ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ﴾.
يقال بخسه حقه : إذا نقصه إياه، وهذا عام في كل
٧٥
حق.
﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ وقد تقدم.
قوله :" وَالجِبِلَّةَ " العامة على كسر الجيم والباء وشد اللام.
وأبو حصين والأعمش والحسن بضمّهما وشد اللام.
والسُّلمي بفتح الجيم أو كسرها مع سكون الباء وهذه لغات في هذه الحرف، ومعناه : الخلق المتَّحد الغليظ، مأخوذٌ من الجبل قال الشاعر : ٣٩٢٣ - وَالمَوْتَ أَعْظَمُ حَادِثٍ
مِمَّا يَمُرُّ على الجِبِلَّهْ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٧٠
وقال الهروي : الجِبِلُّ والجُبُلُّ والجَبْلُ لغات، وهو الجمع الكثير العدد من الناس.
وقيل :" الجِبِلَّةُ " من قولهم : جُبِلَ على كذا، أي : خُلِقَ وطُبِعَ عليه.
، وسيأتي في " يس " إن شاء الله تعالى تمام الكلام على ذلك عند قوله :" جِبِلاًّ كَثِيراً ".
والمراد بـ " الجِبِلَّةِ الأَوَّلِينَ " : الأمم المتقدمين، أي : أنه المنفرد بخلقهم وخلق من تقدمهم.
قوله :﴿قَالُوا ااْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾.
جاء في قصة هود " مَا أَنْتَ " بغير واو، وهاهنا بالواو.
فقال الزمخشري : إذا دخلت الواو فقد قصد معنيان كلاهما مخالف للرسالة عندهم : التَّسحير والبشرية، وأنَّ الرسول لا يجوز أن يكون مُسَحَّراً ولا بَشَراً، وإذا تركت الواو فلم يقصد إلا معنى واحد، وهو كونه مسحَّراً،
٧٦


الصفحة التالية
Icon