قوله :﴿أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً﴾.
قرأ ابن عامر " تَكُنْ " بالتاء من فوقه " آيَةٌ " بالرفع.
والباقون " يَكُنْ " بالياء من تحت " آيَةً " بالنصب.
وابن عباس :" تَكُنْ " بالتاء من فوق " آيَةٌ " بالنصب.
فأما قراءة ابن عامر فتكون يحتمل أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة.
فإن كانت تامة جاز أن يكون " لَهُمْ " متعلقاً بها، و " آيَةٌ " فاعلاً بها، و " أَنْ يَعْلَمَهُ " إما بدل من " آيَةٌ " وإما خبر مبتدأ مضمر، أي : أو لم تحدث لهم علامةُ علم علماء بني إسرائيل.
وإن كانت ناقصة جاز فيها أربعة أوجه : أحدها : أن يكون اسمها مضمراً فيها بمعنى القصة، و ﴿آيَةً أَن يَعْلَمَهُ﴾ جملة قدم فيها الخبر واقعةٌ موقع خبر " تَكُنْ ".
الثاني : أن يكون امسها ضمير القصة أيضاً و " لَهُمْ " خبر مقدم، و " آيَةٌ " مبتدأ مؤخر، والجملة خبر " تَكُنْ "، و " أَنْ يَعْلَمَهُ " إما بدل من " آيَةٌ " وإما خبر مبتدأ مضمر، أي : أن يعلمه.
الثالث : أن يكون " لَهُمْ " خبر " تَكُنْ " مقدماً على اسمها، و " آيَةٌ " امسها، و " أنْ يَعْلَمَهُ " على الوجهين المتقدمين : البدلية، وخبر ابتداء مضمر.
الرابع : أن تكون " آيَةٌ " اسمها، و " أَنْ يَعْلَمَهُ " خبرها.
وقد اعترض هذا بأنه يلزم جعل الاسم نكرة والخبر معرفة وقد نص بعضهم على أنه ضرورة كقوله :
٨١
٣٩٢٤ - وَلاَ يَكُ مَوْقِفٌ مِنْكِ الوَدَاعَا
وقوله :
٣٩٢٥ - يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءٌ
وقد اعتذر عن ذلك بأنَّ " آيَةٌ " قد تخصصت بقوله :" لَهُمْ " فإنه حال منها، والحال صفة، وبأن تعريف الخبر ضعيف لعمومه.
وهو اعتذار باطل، ولا ضرورة تدعو إلى هذا التخريج، بل التخريج ما تقدم.
وأما قراءة الباقين فواضحة جداً، فـ " آيَةٌ " خبر مقدم، و " أَنْ يَعْلَمَهُ " اسمها مؤخر، و " لَهُمْ " متعلق بـ " آيَةٌ " حالاً من " آية ".
وأما قراءة ابن عباس كقراءة :﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ﴾ [الأنعام : ٢٣]، وكقول لبيد : ٣٩٢٦ - فَمَضَى وَقَدَّمَهَا وَكَانَتْ عَادَةً
مِنْهُ إذَا هِيَ عَرَّدَتْ أَقْدَامُهَا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٨١
إما لتأنيث الاسم لتأنيث (الخبر)، وإما لأنه بمعنى المؤنث، ألا ترى أنَّ " أَنْ يَعْلَمَهُ " في قوة المعرفة، و ﴿إِلاَّ أَنْ قَالُواْ﴾ في قوة مقالتهم، وإِقْدَامُهَا بإقْدَامَتِهَا.
وقرأ الجحدريّ :" أَنْ تَعْلَمَهُ " بالتاء من فوق، شبَّه البنين بجمع التكسير في تغيّر واحده صورةً، فعامل فعله المسند إليه معاملة فعله في لحاق علامة التأنيث، وهذا كقوله : ٣٩٢٧ - قَالَتْ بَنُو عَامِرٍ خَالُوا بَنِي أَسَدٍ
يَا بُؤْسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّاراً لأَقْوَامِ
٨٢
وكتبوا في الرسم الكريم :" عُلَمواء " بواو بين الميم والألف.
قيل : هو على لغة من يميل الألف نحو الواو، وهذا كما فعل في " الصَّلاة والزَّكْاة ".
فصل المعنى : أو لم يكن لهؤلاء المنكرين علم بني إسرائيل علامة ودلالة على نبوة محمد - ﷺ - لأنّ العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل كاناو يخبرون بوجود ذكره في كتبهم، كعبد الله بن سلام، وابن يامين، وثعلبة، وأسد، وأسيد.
قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود بالمدينة فسألوهم عن محمد - ﷺ - فقالوا : إنَّ هذا لزمانه، وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته، فكان ذلك آية على صدقه.
قوله :﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ﴾.
قال صاحب التحرير : الأعجمين : جمع أعجمي بالتخفيف، ولولا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع سلامة.
قال شهاب لادين : وكأنَّ سبب منع جمعه أنه من باب : أفعل فعلاء، كـ " أَحْمَرَ حَمْرَاءَ ".
والبصريون لا يجيزون جمعه جمع سلامة إلاّ ضرورة، كقوله :
٣٩٢٨ - حَلاَئِلَ أَسْوَدِينَ وَأَحْمَرِينَا
فلذلك قدره مسنوباً مخفف الياء.
وقد جعله ابن عطية " أَعْجَم " فقال : الأعجمون : جمع أعجم، وهو الذي لا يفصح وإن كان عربي النسب يقال له : أعجم، وذلك يقال للحيوانات، ومنه قول النبي - ﷺ - :" العَجْمَاء جُبَار " وأسند الطَّبريّ عن
٨٣


الصفحة التالية
Icon