وبُورِكْتَ عِنْدَ الشَّيبِ إذْ أَنْتَ أَشْيَبُ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٠٩
وقال عبد الله بن الزبير : ٣٩٣١ - فبُرك في بَنِيكَ وفي بَنِيهِمْ
إذا ذُكِرُوا ونَحْنُ لَكَ الفِدَاءُ
وقال آخر : ٣٩٣٢ - فَبُورِكَ في المَيتِ الغَرِيبِ كَمَا
بُورِكَ نبع الرُّمَّانِ والزَّيْتُون
فصل والمراد بـ " مَنْ " إما الباري تعالى، وهو على حذف مضاف، أي من قدرته وسلطانه في النار، وقيل المراد به موسى والملائكة، وكذلك بـ " مَنْ حَوْلَهَا "، وقيل المراد بـ " مَنْ " غير العقلاء وهو النور والأمكنة التي حولها، فالأول من مروي عن ابن عباس، وروى مجاهد عنه أنه قال : معناه بوركت النار.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أيضاً، قال : سمعت أبيّاً يقرأ :﴿أَنْ بُورِكَتِ النَّارُ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ و " مَنْ " : قد تأتي بمعنى
١١٣
(ما) كقوله :﴿فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ [النور : ٤٥]، و (مَا) قد تكون صلة في الكلام، كقوله :﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ﴾ [ص : ١١]، ومعناه : بُورِكَ مَنْ في النَّارِ وفيمَنْ حَوْلَهَا وهم الملائكة وموسى عليهم السلام، وقال الزمخشري :﴿بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ : بورك من في مكان النار ومن حولها : مكانها، ومكانها : هي البقعة التي حصلت فيها، وهي البقة المذكورة في قوله تعالى :﴿مِن شَاطِىءِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ [القصص : ٣٠] وتدل عليه قراءة أبيّ.
قوله :" وَسُبْحَانَ اللَّهِ " فيه أوجه : أحدها : أنه من تتمّة النداء : أي : نودي بالبركة وتنزيه ربِّ العزَّة، أي : نودي بمجموع الأمرين.
الثاني : أنه من كلام الله تعالى مخاطباً لنبينا محمد - ﷺ -، وهو على هذا اعتراض بين أثناء القصة.
الثالث : أنّ معناه وبُورِكَ من سَبَّحَ اللَّهَ، يعني أنه حذف (مَنْ) وصلتها، وأبقى معمول الصلة، إذ التقدير : بُورِكَ مَنْ في النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا، ومن قال : سُبْحَانَ اللَّهِ و " سُبْحَانَ " في الحقيقة ليس معمولاً لقال، بل لفعل من لفظه، وذلك الفعل هو المنصوب بالقول.
فصل روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله :﴿بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ يعني : قُدِّس من في النار، وهو الله، عنى به نفسه على معنى : أنه نادى موسى منها، وأسمعه كلامه من جهتها، كما روي أنه مكتوب في التوراة :" جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلى من جبال فران "، فمجيئه من سيناء بعثته موسى منها، ومن ساعير
١١٤
بعثته المسيح، ومن جبال فاران بعثته المصطفى منها، وفاران : مكة.
وهل كان ذلك نوره عز وجل ؟ قال سعيد بن جبير : كانت النار بعينها، والنار إحدى حجب الله تعال، كما جاء في الحديث :" حجابُهُ النَّارُ لَوْ كَشَفَهَا لأَحْرَقَتَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ما انتهى إليه بَصَرُهُ من خلقه " والسبب الذي لأجله بوركت البقعة، وبورك من فيها وحواليها : حدوث هذا الأمر العظيم فيها، وهو تكليم موسى وجعله رسولاً، وإظهار المعجزات عليه، ولهذا جعل الله أرض الشام موسومة بالبركات في قوله :﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأنبياء : ٧] وحقت أن تكون كذلك، فهي مبعث الأنبياء عليهم السلام ومهبط الوحي، وكفاتهم أحياء وأمواتاً.
ولما نزه نفسه، - وهو المنزه من كل سوء وعيب - تعرف إلى موسى بصفاته في قوله :﴿يا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
في اسم " إنَّ " وجهان : أظهرهما أنَّه ضمير الشأن ( " وَأَنَّا اللَّهُ " مبتدأ) وخبره، و " العزيز الحَكِيمُ " صفتان لله.
والثاني : أنه ضمير راجع إلى دلَّ عليه ما قبله، يعني : إن مكلِّمك أنا، و " الله " بيان لـ " أَنَا "، و " العَزِيزُ الحَكِيمُ " : صفتان للبيان قاله الزمخشري.
قال أبو حيان، وإذا حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فلا يجوز أن يعود الضمير على ذلك المحذوف : إذ قد غيِّر الفعل عن بنائه له وعزم على أن لا يكون محدِّثاً عنه، فعود الضمير إليه ممَّا ينافي ذلك ؛ إذ يصير معتنًى به.
قال شهاب الدين : وفيه نظر، لأنه قد يلتفت إليه، وقد تقدم ذلك في البقرة عند قوله :﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ﴾ [البقرة : ١٧٨]، ثم قال :" وَأَدَاءٌ إلَيْهِ "، قيل : إلا الذي عفي له وهو وليُّ الدم ما تقدم تحريره ولئن سلِّم ذلك، فالزمخشري لم يقل إنه عائد على ذلك الفاعل، إنما قالك راجع إلى ما دل عليه ما قبله يعني من (السِّياق).
١١٥


الصفحة التالية
Icon