قال شهاب الدين : اما ما ذكره ففيه نظر، من حيث إن التأنيث إما لفظي أو معنوي، واللفظي لا يتبر (في لحاق العلامة) البتة، بدليل أنه لا يجوز (قامت رَبْعَةٌ وأنت تعني رجلاً، وكذلك) لا يجوز : قامت طلحة، ولا حمزة - على مذكر - فتعين أن يكون اللحاق إنما هو للتأنيث المعنوي، وإنما يعتبر لفظ التأنيث والتذكير في بابا العدد على معنى خاص أيضً، وهو أنا ننظر إلى ما عاملت العرب ذلك اللفظ به من تذكير أو تأنيث من غير نظر إلى مدلوله، فهناك له هذا الاعتبار، وتحقيقه هنا يخرجنا عن المقصود وإنما نبهتك على القدر المحتاج إليه.
وأما قوله : وأما النملة والقملة فلا يتميَّز، يعني لا يتوصَّلُ لمعرفة الذكر منهما ولا الأنثى بخلاف الحمامة والشاة، فإن الاطلاع على ذلك ممكن، فهو أيضاً ممنوع إذ قد يمكن الاطلاع على (ذلك، وأن الاطلاع على ذكورية الحمامة والشاة أسهل من الاطلاع على) ذكورية النملة والقملة، ومنعه أيضاً أن يقال هو الشاة وهو الحمامة ممنوع.
وقرأ الحسن وطلحة ومعتمر بن سليمان :" النّمُلُ " و " نَمُلَة " بضم الميم وفتح النون بزنة رجل وسمرة، وسليمان التيمي بضمتين فيهما، وتقدم ان ذلك لغات في الواحد والجمع.
قوله " لاَ يَحْطِمَنَّكُم "، فيه وجهان : أحدهما : أنه نهي.
والثاني : أنه جواب للأمر.
وإذا كان نهياً ففيه وجهان : أحدهما : أنه نهي مستأنف لا تعلق له بما قبله من حيث الإعراب، وإنما هو نهي للجنود في اللفظ، وفي المعنى للنمل، أي لا تكونوا بحيث يحطمونكم، كقولهم : لا أَرَينَّك ههُنَا.
١٢٩
والثاني : أنه بدل من جملة الأمر قبله، وهو " ادْخُلُوا "، وقد تعرض الزمخشري لذلك، فقال : فإن قلت : لا يحطمنكم ما هو ؟ قلت يحتمل أن يكون جواباً للأمر، وأن يكون نهياً بدلاً من الأمر، والذي جوَّز أن يكون بدلاً منه أنه في معنى : لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم، على طريقة : لاَ أَرَيَنَّكَ ههُنَا، أرادت : لا يحطمنكم جنود شسليمان، فجاءت بما هو أبلغ، ونحوه :
٣٩٣٧ - عَجِبْتُ مِن نَفْسِي وَمِنْ إشْفَاقِهَا
قال أبو حيان : اما تخريجه على أنه جواب الأمر، فلا يكون ذلك إلا على قراءة الأعمش، فإنه مجزوم مع أنه يحتمل أن يكون استئناف نهي يعني أن الأعمش قرأ :" لاَ يَحْطَمْكُمْ " بجزم الميم دون نون توكيد، قال : وأما مع وجود نون التوكيد فلا يجوز ذلك إلا إن كان في شعر، وإذا لم يجز ذلك في جواب الشرط إلا في الشعر فأحرى أن لا جوز في جواب الأمر إلا في الشعر، وكونه جواب الأمر متنازع فيه على ما قرر في علم النحو.
ومثال مجيء النون في جواب الشرط قوله الشاعر : ٣٩٣٨ - نَبَتُّمْ نَبَاتَ الخَيْزُرَانَةِ في الثَّرَى
حَدِيثاً مَتَى مَا يَأْتِكَ الخَيْرُ يَنْفَعَا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٢٢
وقول الآخر : ٣٩٣٩ - فَمَهْمَا تَشَأْ مِنْهُ فَزَارَةُ تُعْطِكُمْ
ومَهْمَا تَشَأْ مِنْهُ فَزَارَةُ تَمْنَعَا
١٣٠
قال سيبويه : وهو قليل في الشعر شبهوهُ بالنهي حيث كان مجزوماً غير واجب، قال : وأما تخريجه على البدل فلا يجوز، لأن مدلول " لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ " مخالف لمدلول " ادخُلُوا "، وأما قوله : لأنه بمعنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم، فتفسير معنى لا إعراب، والبدل من صفة الألفاظ، نعم لو كان اللفظ القرآني : لا تكونوا بحيث لا يحطمنكم، لتُخُيِّل فيه البدل، لأن الأمر بدخول المساكين نهي عن كونهم بظاهر الأرض.
وأما قوله : إنه أراد لا يحطمنكم جنود سليمان إلى آخره، فيسوغ زيادة الأسماء، وهو لا يجوز، بل الظاهر إسناد الحطم إلى جنوده، وهو على حذف مضاف، أي : خيل سليمان وجنوده، إو نحو ذلك مما يصح تقديره، انتهى.
أما منعه كونه جواب الأمر من أجل النون، فقد سبقه إليه أبو البقاء، فقال : وهو ضعيف، لأن جواب الشرط لا يؤكد بالنون في الاختيار.
وأما منعه البدل بما ذكر فلا نسلم تغاير المدلول بالنسبة لما يؤول إليه المعنى.
وأما قوله : فيسوغ زيادة الأسماء فهو لم يسوغ ذلك، وإنما فسر المعنى - وعلى تقدير ذلك - فقد قيل به شائعاً.
وجاء الخطاب في قولها " ادخلوا " كخطاب العقلاء لما عوملوا معاملتهم.
وقرأ أُبَيّ :﴿ادْخُلْنَ مَساكِنَكُنَّ لاَ يَحْطمنَّكُن﴾ - بالنون الخفيفة - جاء به على الأصل.
وقرأ شهر به حوشب :" مَسْكَنَكم " بالإفراد وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى الهمداني بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الطاء والنون مضارع حطمه بالتشديد.
وقرأ الحسن أيضاً قراءتان : فتح الياء وتشديد الطاء مع سكون الحاء وكسرها والأصل : يَحطمَنَّكُمْ، فأدغم وإسكان الحاء مشكل تقدم نظيره في " لا يَهديِّي " ونحوه، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب وأبو عمرو في رواية بسكون نون التوكيد.
والحطم : الكسرُ،
١٣١
يقال منه : حطمتهُ، ثم استعمل لكل كسر معناه، والحطام : ما تكسر يبساً وغلب على الأشياء التافهة، والحُطَم : السائق السريع، كأنه يحطم الإبل، قال : ٣٩٤٠ - قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بسواقٍ حَطَمْ
لَيْسَ برَاعِي إبِلٍ وَلاَ غَنَمْ