ولا بِجَزَّارٍ ظَهْرٍ وَضَمْ والحُطَمَة : من دركات النار، ورجل حُطَمَةٌ للأكول، تشبيهاً لبطنه بالنار، كقوله :
٣٩٤١ - كَأَنَّمَا فَي جَوْفِهِ تَنُّورُ
وقوله :" وهُمْ لا يشعُرُونَ " جملة حالية.
فصل قال الشعبي : كانت تلك النملة ذات جناحين، فنادت ﴿ يا أيها النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ﴾، ولم تقل : ادخلن، لأنها لما جعلت لهم قولاً كالآدميين خوطبوا بخطاب الآدميين، " لاَ يَحْطِمَنَّكُنمْ " لا يكسرنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فسمع سليمان قولها، وكان لا يتكلم خلق إلا حملت الريح ذلك فألقته في مسامع سليمان.
فإن قيل : كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده، وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على بساط بين السماء والأرض ؟ قيل : كانت جنوده ركباناً وفيهم مشاة على الأرض تطوى بهم، وقيل يحتمل أن يكون هذا قبل تسخير الله الريح لسليمان.
وقال المفسرون : علم النمل أن سليمان نبي ليس فيه جبرية ولا ظلم، ومعنى الآية : أنكم لو لم تدخلوا
١٣٢
مساكنكم وطئوكم ولم يشعروا بكم، وروي أن سليمان لما دخل وادي النمل حبس جنده، حتى دخل النمل بيوتهم.
قال أهل المعاني : في كلام هذه النملة أنواع من البلاغة : نادت، ونبّهت، وسمت، وأمرت، ونصت، وحذرت، وخصت، وعمت، وأشارت، وأعذرت، ووجهه : نادت :" يا " نبهت :" ها " سمت :" النمل "، أمرت " ادخلوا "، نصت :" مساكنكم "، حذرت :" لا يحطمنكم "، خصت :" سليمان "، عمت و " جنوده "، أشارت :" وَهُمْ "، أعذرت :" لا يشعرون ".
قوله :" ضاحكاً " قيل : هي حال مؤكدة لأنها مفهومة من (تبسم)، وقيل : بل هي حال مقدرة، فإن التبسم ابتداء الضحك، وقيل : لما كان التبسم قد يكون للغضب، ومنه تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الغضبان، أي تضاحكاً مسبباً له، قال عنترة : ٣٩٤٢ - لَمَّا رَآنِي قَدْ قَصَدْتُ أُرِيدُهُ
أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٢٢
وتبسَّم : تَفَعَّلَ بمعنى بَسَمَ المجرّد، قال : ٣٩٤٣ - وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَوَّراً
تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ لَهُ نَدِي
وقال بعض المولدين : ٣٩٤٤ - كَأَنَّمَا تَبْسِمُ عَنْ لُؤْلُؤٍ
مُنَضَّدٍ أَوْ بَرَدِ أَوْ أَقَاح
وقرأ ابن السميفع :" ضحكاً " مقصوراً، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مصدر مؤكد معنى تبسم، لأنه بمعناه.
١٣٣
والثاني : أنه في موضع الحال، فهو في المعنى كالذي قبله.
الثالث : أنه اسم فاعل كفرح، وذلك لأن فعله على فَعِل بكسر العين، وهو لازم، فهو كفرح وبطِر.
قوله :" أن أشكر " مفعول ثان لـ " أوزعني "، لأن معناه : ألهمني، وقيل معناه : اجعلني أزع شكر نعمتك، أي : أكفه وأمنعه حتى لا ينفلت مني، فلا أزال شاكراً، وتفسير الزجاج له بامنعني أن أكفر نعمتك من باب تفسير المعنى باللازم.
فصل قال الزجاج أكثر ضحك الأنبياء التبسم، وقوله :" ضاحكاً " أي : مبتسماً، وقيل : كان أوله التبسم وآخره الضحك، قال مقاتل : كان ضحك سليمان من قول النملة تعجباً، لأن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك، وإنما ضحك لأمرين : أحدهما : إعجابه بما دل من قولها على ظهور رحمته ورحمة جنوده وعلى شهرة حاله وحالهم في التقوى، وهو قولها :" وهم لا يشعرون ".
والثاني : سروره بما آتاه الله ما له يؤت أحداً، من سمعه كلام النملة وإحاطته بمعناه.
ثم حمد سليمان ربه على ما أنعم عليه، فقال :﴿رَبِّ أَوْزِعْنِى ﴾ ألهمني.
﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ وهذا يدل على أن دخول الجنة ببرحمته وفضله، لا باستحقاق العبد، والمعنى : أدخلني في جملتهم، وأثبت امسي في أسمائهم واحشرني في زمرتهم، قال ابن عباس : يريد مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين.
فإن قيل : درجات الأنبياء أفضل من درجات الأولياء والصالحين، فما السبب في أن الأنبياء يطلبون جعلهم من الصالحين، فقال يوسف :﴿تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف : ١٠١]، وقال سليمان :﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ ؟.
فالجواب : الصالح الكامل هو الذي لا يعصي الله ولا يهم بمعصية، وهذه درجة عالية.
١٣٤
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٢٢