وحدها، لأنهما حرفان منفصلان وهذا الوقفان وقفاً اخْتبارٍ لا اختيار، لأنهما حرفان لا يتم معناهما إلاَّ بما يتصلان به، وإنما فعله القراء امتحاناً وبياناً.
فهذا توجيه قراءة الكسائي، والخَطْبُ وفيها سهل.
وأما قراءة الباقين فتحتاج إلى إِمْعَان نظرٍ، وفيها أوجه كثيرة : أحدها : أنَّ " أَلاَّ " أصلها : أَنْ لا، فأَنْ ناصبة للفعل بعدها، ولذلك سقطت نون الرفع، و " لاَ " بعدها حرفُ نَفْي، وأَنْ وما بعدها في موضع مفعول " يَهْتَدُونَ " على إسقاط الخافض أي : إلى أَنْ لا يسجُدُوا، و " لاَ " مزيدة كزيادتها في :﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [الحديد : ٢٩]، والمعنى : فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا.
الثاني : أنه بدل من " أَعْمَالَهُمْ " وما بينهما اعتراض تقديره : وزَيَّنَ لهم الشيطانُ عدم السجود لله.
الثالث : أنه بدل من " السَّبِيلِ " على زيادة " لاَ " أيضاً، والتقدير : فَصَدَّهُمْ عن السجود لله.
الرابع : أَنَّ " أَلاَّ يَسْجُدُوا " مفعولاً له، وفي متعلّقه وجهان : أحدهما : أنه " زَيَّنَ " أي : زيَّنَ لهم لأجل أَلاَّ يسجدوا.
والثاني : انها متعلق بـ " صَدَّهُمْ "، أي : صَدَّهُمْ لأجل أن لاَ يسجُدُوا، وفي " لاَ " حينئذٍ وجهان : أحدهما : انها ليست مزيدة (بل باقية على معناها من النفي.
والثاني : أنها مزيدة) والمعنى : وزيَّنَ لهم لأجل توقعه سجودهم، أو لأجل خوفه من سُجُودهم، وعدم الزيادة أظهر.
الخامس : أنه خبرأ مبتدأ مضمر، وهذا المبتدأ إما أن يُقَدَّر ضميراً عائداً على " أَعْمَالَهُمْ "، والقدير هي ألا يسجدوا، فتكون " لاَ " على بابها من النفي، وإما أن
١٤٥
يُقَدَّر ضميراً عائداً على " السَّبِيل "، التقدير : هو أن لا يسجدوا، فتكون " لاَ " مزيدة - على ما تقدم - ليصح المعنى.
وعلى الأوجه الأربعة المتقدمة لا يجوز الوقفُ على " يَهْتَدُونَ "، لأنَّ ما بعده إمَّا معمول له أو لِمَا قبله من " زَيَّنَ " و صَدَّ " أو بدل مما قبله أيضاً من " أَعْمَالَهُمْ " أو من " السَّبِيل " على ما قُرِّرَ، بخلاف الوجه الخامس، فإنه مَبنيٌّ على مبتدأ مضمر، وإنْ كان ذلك الضمير مُفَسراً بما سبق قبله، وقد كتبت " أَلاَّ " مصولة غير مفصولة، فلم تُكْتَبْ " أَنْ " منفصلة من " لاَ "، فمن ثَمَّ : امتنع أن يُوقَف هؤلاء في الابتلاء والامتحان على " أَنْ " وحدها، لاتصالها بلا في الكتابة، بل يُوقَف لهم على " أَلاَّ " بجملتها، كذا قال القُرَّاءُ، والنحويون متى سُئِلوا عن مثل ذلك وقفوا لأجل البيان على كل كلمةٍ على حدتها.
لضرورة البيان، كونها كُتِبَت متصلة بـ " لا " غير مانعٍ من ذلك.
ثُمَّ قول القُرَّاءِ : كتبت متصلة فيه تجوُّزٌ وتسامُح، لأَنَّ حقيقة هذا أن يُثْبِتُوا صورة نُونٍ ويصلونها بلاء، فيكتبونها " أَنْلاَ "، ولكن لما أدغمت فيما بعدها لفظاً، وذهب لفظها إلى لفظ ما بعدها قالوا ذلك تسامحاً.
وقد رتَّبَ أبو إسحاق على القراءتين حُكْماً، وهو وجوب سجود التلاوة وعدمه، فَأَوْجَبَهُ مع قراءة الكسائي، وكأنه لأجل الأمرِ بِهِ، ولم يوجبه في قراءة الباقين لعدم وجود الأمر فيها، إِلاَّ أَنَّ الزمخشري لم يرتضه منه، فإنه قال : فَإِنْ قُلْتَ : أَسَجدةُ التلاوة واجبة في القراءتين جميعاً أو في واحدة منهما ؟ قُلْتُ : هي واجبة فيهما.
وإحدا القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك، وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد مرجوع إليه.
قال شهاب الدين : وكأن الزجاج أخذ بظاهر الأمر، وظاهره الوجوب وهذا لو خلينا
١٤٦


الصفحة التالية
Icon