الجمع - لأنه قال :﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ﴾ [النمل : ٢٤] والمعنى : فألقه إلى الذين هذا دينهم.
قوله :﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾، زعم أبو علي وغيره أن في الكلام تقديماً، وأن الأصل : فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم.
ولا حاجة إلى هذا، لأن المعنى بدونه صحيح، أي : قف قريباً منهم لتنظر ماذا يكون.
قوله :" مَاذَا يَرْجِعُونَ " إن جعلنا (انظر) بمعنى : تأمل وتفكر كانت " ما " استفهامية، وفيها حينئذٍ وجهان : أحدهما : أن يجعل مع " ذا " بمنزلة اسم واحد، وتكون مفعولة بـ " يرجعون " تقديره : أي شيء ترجعون.
والثاني : أن يجعل " ما " مبتدأ، و " ذا " بمعنى الذي، و " يرجعون " صلتها، وعائدها محذوف تقديره : أي شيء الذي يرجعونه، وهذا الموصول هو خبر ما الاستفهامية وعلى التقديرين فالجملة الاستفهامية مُعَلِّقة لـ " انظر " فمحلّها النصب على إٍقاط الخافض أي : انظر في كذا وفكر فيه وإن جعلناه بمعنى انتظر من قوله ﴿انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ [الحديد : ١٣] كانت " مَاذَا " بمعنى الذي، (و " يَرْجعُونَ " صلتها وعائدها محذوف)، والعائد مقدّر كما تقرر وهذا الموصول مفعول به، أي : انتظر الذي يرجعون.
قال أبو حيان : و " ماذا " إن كان معنى " فانظُر " معنى التأمل بالفكر كان انظر معلقاً، و " ماذا " إما أن يكون كلمة استفهام في موضع نصب، وإما أن يكون " ما " استفهاما، و " ذا " موصولة بمعنى الذي، فعلى الأول يكون " يرجعون " خبراً عن " ماذا "، وعلى الثاني يكون " ذا " هو الخبر، و " يرجعون " صلة انتهى.
وهذا غلط إما من الكاتب، وإما من غيره ؛ وذلك أن قوله :" فعلى الأول " يعني به أن " ماذا " كلمة استفهام في موضع نصب يمنع قوله :" يَرْجِعُونَ " خبراً عن " ماذا "، كيف يكون خبراً عنه وهو منصوب به كما تقرر، وقد صرَّح هو بأنه منصوب يعني
١٥١
بما بعده ولا يعمل فيه ما قبله، وهذا نظير ما تقدم في آخر السورة قبلها في قوله :﴿وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا ااْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء : ٢٢٧] في كون اسم الاستفهام معمولاً لما بعده، وهو معلق لما قبله، فكما حكمت على الجملة من " يَنْقَلِبُونَ " وما اشتملت عليه من اسم الاستفهام المعمول لها بالنصب على سبيل التعليق، كذلك يحكم على " يَرْجِعُونَ " فكيف تقول : إنها خبر ؟
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٤٩
قوله :﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ﴾ العامة على كسر الهمزتين على الاستئناف جواباً لسؤال قومها، كأنهم قالوا : ممن الكتاب ؟ وما فيه ؟ فأجابتهم بالجوابين.
وقرأ عبد الله :﴿وَإِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ﴾ بزيادة واو عاطفة ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ﴾ على قوله :﴿إِنِّى أُلْقِيَ إِلَيَّ﴾ [النمل : ٢٩].
وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة بفتح الهمزتين، صرح بذلك الزمخشري وغيره.
ولم يذكر أبو البقاء إلا الكسر في ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ﴾ وكأنه سكت عن الثانية، لأنها معطوفة على الأولى، وفي تخيرج الفتح فيهما أوجه : أحدهما : أنه بدل من " كِتَاب " بدل اشتمال، أو بدل كلٍّ من كلّ، كأنه قيل : ألقي إليَّ أنه من سليمان، وأنه كذا وكذا، وهذا هو الأصح.
والثاني : أنه مرفوع بـ " كَرِيم " ذكره أبو البقاء.
الثالث : أنه على إسقاط حرف العلة.
قال الزمخشري : ويجوز أن يريد لأنه من سليمان ولأنه، كأنها عللت كرمه بكونه
١٥٢
من سليمان وتصديره باسم الله.
وقال مكي : وأجاز الفراء الفتح فيهما في الكلام، كأنه لم يطلع على أنها قراءة وقرأ أُبيّ : أنْ من سليمان وأنْ بسم الله بسكون النون فيهما، وفيها وجهان : أظهرهما : أنها " أن " المفسرة، لتقدم ما هو بمعنى القول.
والثاني : أنها المخففة واسمها محذوف، وهذا لا يتمشى على أصول البصريين ؛ لأن اسمها لا يكون إلا ضمير شأن وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزئيها.
فصل قال المفسرون : أخذ الهدهد هذا الكتاب، وأتى به إلى بلقيس، وكان بأرض يقال لها :" مأرب " من صنعاء، فرمى بالكتاب إليها، فأخذته بلقيس، وكانت قارئة، ومن ثم اتخذ الناس البطائق، فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت، لأن ملك سليمان كان في خاتمه، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكاً منها، لطاعة الطير وهيبة الخاتم، فقرأت الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد، فقعدت على سرير ملكها، وجمعت الملأ من قومها، وقالت لهم :﴿إِنِّى أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل : ٢٩] قال عطاء والضحاك : سمته كريماً، لأنه كان مختوماً.
وروى ابن عباس عن النبي - ﷺ - :" كرمه ختمه " وقال مقاتل والزجاج : كريم أي : حسن ما فيه، وروي عن ابن عباس أي : شريف لشرف صاحبه.
وقيل سمته كريماً، لأنه مصدر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم "، ثم بينت ممن الكتاب، فقالت :﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ﴾، وبينت المكتوب فقالت :﴿وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ﴾.
فإن قيل : لم قد سليمان اسمه على قوله :﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ﴾ ؟


الصفحة التالية
Icon