أن ملك سليمان من الله، فقالت ربِّ إنِّي ظلمتُ نَفْسِي بعبادة غيرك، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين، وأخلصت لك التوحيد.
وقيلك إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا، فقولها :" ظَلَمْتُ نَفْسِي " تعني ذلك الظن.
واختلفوا : هل تزوجها سليمان أم لا ؟ وأنه تزوجها في هذه الحال، ومن قبل أن يكشف عن ساقيها ؟ والأظهر من كلام الناس أنه تزوجها، وروي عن ابن عباس لما أسلمت، قال لها : اختاري من قومك من يتزوجك، فقالت : مثلي لا تنح الرجال - مع سلطاني - فقال : النكاح من الإسلام، فقالت : إن كان كذلك فزوجني لتبع ملك همدان، فزوجها إياه، ثم ردهما إلى اليمن.
وروي أن الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
قوله :" مَعَ سُلَيْمَانَ " متعلق بمحذوف على أنه حال، ولا يتعلق :" أَسْلَمْتُ "، لأنَّ إسلامه سابق إسلامها بزمان، وهو وجه لطيف، وقال ابن عطية : و " مَعَ " ظرف بُني على الفتح، وأمَّا إذا أسكنت العين، فلا خلاف أنه حرفٌ.
وقد تقدم القول في ذلك وقال مكي هنا نحواً من قول ابن عطية.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٧١
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً﴾ الآية.
قوله :﴿أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ﴾ أي : وحدوه، ويجوز في " أَنْ " أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية، أي بأن اعبدوا فيجيء في محلها القولان.
قوله :﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ﴾ تقدم الكلام في " إذَا " الفجائية، والمراد بالفريقين قوم صالح، وأنهم انقسموا فريقين : مؤمن وكافر، وقد صرح بذلك في الأعراف في قوله :﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ﴾ [الأعراف : ٧٥].
وجعل الزمخشري الفريق الواحد صالحاً وحده والآخر جميع قومه ؛ وحمله على ذلك العطف بالفاء، فإنه يؤذن أنه بمجرد إرسالة صاروا فريقين، ولا يصير قومه فريقين إلا بعد زمان ولو قليلاً.
و " يَخْتَصِمُونَ " صفة لـ " فَرِيقَان " على المعنى، كقوله :﴿هَـاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ﴾ [الحج : ١٩] و ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ﴾ [الحجرات : ٩] واختير هنا مراعاة الجمع، لكونها فاصله.
قوله :﴿يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ أي : قال لهم صالح يا قوم لم تستعجلون بالسيئة بالبلاء والعقوبة، أي أن الله قد مكنكم من التوصّل إلى رحمته وثوابه فلماذا تعدلون عنه إلى استعجال عذابه، وقيل : إنّهم كانوا يقولون إن العقوبة التي يعدّها صالح - إن وقعت على زعمه - تُبْنَا حينئذ واستغفرنا فحينئذ يقبل الله توبتنا، ويدفع العذاب عنا، فخاطبهم صالح على حسب اعتقادهم، فقال : هلاّ تستغفرون الله قبل نزول العذاب، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر، ووصف العذاب بأنّه سيئة مجازاً، إمّا لأنّ العقاب من
١٧٥
لوازمه، أو لأنه يشبهه في كونه مكروهاً، وأمّا وصف الرحمة بأنّها حسنة، فقيل : حقيقة، وقيل : مجاز.
ثم إن صالحاً عليه السلام لما قرّر هذا الكلام الحقّ أجابوه بكلام فاسد، فقالوا " اطّيَّرنَا بِكَ " أي : تشاءمنا بك، لأنّ الذي يصيبنا من شدة وقحط شؤمك وشؤم من معك.
وقرىء :" تطيّرنّا بِكَ "، وهو الأصل، وأدغم، وتقدّم تقريره، قال الزمخشري : كان الرجل يخرج مسافراً فيمرُّ بطائر فيزجره، فإن مرّ سانحاً تيمّن، وإن مرَّ بارحاً تشاءم، فلمّا نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان للخير والشر، وهو قدر الله وقسمته، فأجاب صالح - عليه السلام - بقوله : طائركم عند الله، أي السبب الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله، وهو قضاؤه وقدره وهو مكتوب عليكم.
سمي طائراً لسرعة نزوله بالإنسان، لأنّه لا شيء أسرع من قضاء محتوم.
قال ابن عباس : الشؤم أتاكم من عند الله بكفركم.
وقيل طائركم : عملكم عند الله، سمى طائراً لسرعة صعوده إلى السماء، وقيل : إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم، وقيل : لأنه أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقطحوا.
قوله :" تُفْتَنُونَ " داء بالخطاب مراعاةً لتقدّم الضمير، ولو روعي ما بعده لقيل " يُفْتَنُونَ " بياء الغيبة، وهو جائز ولكنه مرجوح، ويقول : أنت رجل يفعل وتفعل بالباء والياء، ونحن قوم نقرأ ويقرأون.
والمراد من هذا الكلام أن صالحاً - عليه السلام - بين بهذا الكلام جهلهم بقوله :﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾، فيحتمل أن غيرهم دعاءهم إلى هذا القول، ويحتمل أن المراد أن الشيطان يفتنكم بوسوسته.
وقال ابن عباس : يُخْتَبرون بالخير والشر كقوله :﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء : ٣٥]، وقال محمد بن كعب : يعذبون.
١٧٦


الصفحة التالية
Icon