قوله :" وكان في المدينة تسعة رهط} يعني : مدينة ثمود، والأكثر أن يتميز، والعدد مجرور بـ " من "، كقوله :﴿أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ﴾ [البقرة : ٢٦٠] وفي المسألة مذاهب : أحدها : أنه لا يجوز إلا في قليل.
الثاني : أنه يجوز ولكن لا ينقاس.
الثالث : التفصيل بين أن تكون للقلة كرهط ونفر، فيجوز، أو للكثرة فقط، أو لها وللقلة فلا يجوز نحو : تسعة قوم.
ونصب سيبويه على امتناع ثلاث غنم.
قال الزمخشري : وإنما جاز تمييز التسعة بالرهط، لأنه في معنى الجمع، كأنه قيل : تسعة أنفس.
قال أبو حيان : وتقدير غيره تسعة رجال هو الأولى ؛ لأنه من حيث أضاف إلى أنفس كان ينبغي أن يقول : تِسع أنفس - على تأنيث النفس - إذا الفصيح فيها التأنيث، ألا تراهم عدوا من الشذوذ قول الشاعر :
٣٩٦٨ - ثَلاَثَةُ أَنْفُسٍ وثَلاثُ ذَوْدٍ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٧٥
قال شهاب الدين : وإنما أراد تفسير المعنى.
وقال ابن الخطيب : والأقرب أن يكون المراد تسعة جمع ؛ إذ الظاهر من الرهط الجماعة لا الواحد، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد، لاختلاف وصفهم وأحوالهم، لا لاختلاف النسب.
قوله :" يُفْسِدُونَ " يجوز أن يكون نعتاً للمعدود أو العدد، فيكون في موضع جر أو رفع.
قوله :" ولا يصلِحُون " قيل : مؤكد للأول، وقيل : ليس مؤكداً ؛ لأن بعض المفسدين قد يصلح في وقت ما، فأخبر عن هؤلاء بانتفاء توهم ذلك، وهم الذي اتفقوا على عقر الناقة، وهم غواة قوم صالح، ورأسهم : قُدَار بن سالف، وهو عاقر الناقة.
١٧٧
قوله :" قَالُوا تَقَاسَمُوا " يجوز في " تَقَاسَمُوا " أن يكون أمراً، قال بعضهم لبعض : احلفوا على كذا، ويجوز أن يكون فعلاً ماضياً، وحينئذ يجوز أن يكون مفسراً لـ " قَالُوا " كأنه قيل : ما قالوا ؟ فقيل : تقاسموا.
ويجوز أن يكون حالاً على إضمار " قد "، أي : قالوا ذلك متقاسمين، وإليه ذهب الزمشخري، فإنه قال : يحتمل أن يكون أمراً وخبراً في محل الحال بإضمار " قد ".
قال أبو حيان : أما قوله : وخبراً.
فلا يصح ؛ لأن الخبر أحد قِسْمَي الكلام لأنه ينقسم إلى الخبر والإنشاء، وجميع معانيه إذا حققت راجعة إلى هذين القسمين قال شهاب الدين : ولا أدري عدم الصحة مماذا ؟ لأنه جعل الماضي خبراً، لاحتماله الصدق والكذب، مقابلاً للأمر الذي لا يحتملهما، أما كون الكلام لا ينقسم إلا إلى خبر وإنشاء وأن معانيه إذا حققت ترجع إيلهما، فأي مدخل لهذا في الرد على الزمخشري.
ثم قال أبو حيان : والتقييد بالحال ليس إلا من باب نسبة التقييد، لا من نسبة الكلام التي هي الإسناد، فإذا أطلق عليها الخبر كان ذلك على تقدير أنها لو لم تكن حالاً لجاز أن تستعمل خبراً، وكذلك قولهم في الجملة الواقعة صلة : هي خبرية، فهو مجاز والمعنى : أنها لو لم تكن صلة لجاز أن تسعتمل خبراً، وهذا فيه عوض.
قال شهاب الدين : مسلم أن الجملة ما دامت حالاً أو صلة لا يقال لها خبرية، بمعنى أنها تستقلّ بإفادة الإسناد، لأنها سيقت مساق القيد في الحال ومساق حد كلمة في الصلة، وكان ينبغي أن يذكر أيضاً الجملة الواقعة صفة، فإن الحكم فيها كذلك، ثم قال : وأما إضمار " قد " فلا يحتاج إليه، لكثرة وقوع الماضي حالاً دون " قد "، كثرة ينبغي القياس عليها.
قال شهاب الدين : الزمخشري مَشَى مع الجمهور فإنّ مذهبهم أنه لا بدَّ من " قد " ظاهرةً أو مضمرةً لتقرّبه من الحال.
وقرأ ابن أبي ليلى :" تَقَسَّمُوا " - دون ألف مع
١٧٨


الصفحة التالية
Icon