الدرية، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب، حتى إن الرجل ليقوم يتعوذ منها بالصلاة، فتأتيه من خلفه، فتقول : يا فلان الآن تصلي، فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه، فيتجاور الناس في ديارهم، ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال، يُعرَف الكافر من المؤمن، فيقال للمؤمن يا مؤمن، وللكافر يا كافر " وقال عليه السلام :" تخرج الدابة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتخطم أنف الكافر بالخاتم، حتى إن أهل الخوان ليجتمعوا، فيقولون هذا : يا مؤمن، ويقول هذا : يا كافر " وروي عن عليّ قال : ليس بدابة لها ذَنَب، ولكن لها لحية، كأنه يشير إلى أنها رجل، والأكثرون على أنها دابة، لما روى ابن جريج عن أبي الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس الثور، وعينها عين الخنزير، وأن لها أذناً، قيل : وقرنها قرن أيل وصدرها صدر أسد، ولونها لون النمر، وخاصرتها خاصرة هو، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين اثني عشر ذراعاً، معها عصا موسى وخاتم سليمان، وذكر باقي الحديث.
وروى حذيفة بن اليمان قال :" ذكر رسول الله - ﷺ - الدابة، قلت : يا رسول الله : من أين تخرج ؟ قال :" من أعظم حرمة المساجد على الله بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض تحتهم وينشق الصفا مما يلي المشعر، وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدوا منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمناً وكافراً، أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري، وتكتب بين عينيه مؤمن، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه : كافر " وروي عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصا - وهو محرم - وقال : إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه وروى أبو هريرة عن النبي - ﷺ - قال :" بئس الشعب شعب جياد "،
٢٠٣
مرتين أو ثلاثاً، قيل : ولم ذاك يا رسول الله ؟ قال :" تخرج منه الدابة، فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين " وقال وهب : وجهها وجه الرجل، وسائر خلقها خلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون.
قوله :﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً﴾، أي من كل قرن جماعة.
و ﴿مِن كُلِّ أُمَّةٍ﴾ يجوز أن يكون متعلقاً بالحشر، و " مِنْ " لابتداء الغاية، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " فَوْجاً " لأنه يجوز أن يكون صفة له في الأصل، والفوج الجماعة كالقوم، وقيدهم الراغب فقال : الجماعة المارة المسرعة.
وكأن هذا هو الأصل ثم انطلق، ولم يكن مرور ولا إسراع، والجمع.
أفواج وفووج.
و " مِمَّن يُكَذِّبُ " صفة له، و " مِنْ " في " مِنْ كُلِّ " تبعيضية، وفي " مِمَّن يُكَذِّبُ " تبيينية.
قوله :" فَهُمْ يُوزَعُونَ " أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى النار، ﴿حَتَّى إِذَا جَآءُوا﴾ يوم القيامة، قَالَ لَهُمُ اللَّهُ :﴿أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً﴾ ولم تعرفوها حتى معرفتها.
والواو في " وَلَمْ تُحِيطُوا " يجوز أن تكون العاطفة وأن تكون الحالية، و " عِلْماً " تمييز.
قوله :" أمَّاذَا " أم هنا منقطعة، وتقدم حكمها، و " مَاذَا " يجوز أن يكون برمته استفهاماً منصوباً بـ " تَعْملون " الواقع خبراً عن " كُنْتُم "، وعائده محذوف، أي : أي شيء الذي كنتم تعملونه ؟ وقرأ أبو حيوة " أمَا " بتخفيف الميم، جعل همزة الاستفهام داخلة على امسه تأكيداً كقوله :
٣٩٧٢ - أَهَلْ رَأَوْنَا بِوَادِي القُفِّ ذِي الأَكَمِ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٠١
٢٠٤


الصفحة التالية
Icon