قوله :﴿أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ حين لم يتفكروا فيها، كأنه قال : ما لم تشتغلوا بذلك العمل المهم فأي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك ثم قال :﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم﴾، أي : وجب العذاب الموعود عليهم " بِمَا ظَلَمُوا "، أي بسبب ظلمهم وتكذيبهم بآيات الله، ويضعف جعل " مَا " بمعنى الذي ﴿فَهُمْ لاَ يُنطِقُونَ﴾، قال قتادة، كيف ينطقون ولا حجة لهم، نظيره قوله تعالى :﴿هَـذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات : ٣٥ - ٣٦]، وقيل :" لاَ يَنْطِقُونَ " لأن أفواههم مختومة.
ثم إنه تعالى لما خوّفهم بأحوال القيامة ذكر كلاماً يصلح أن يكون دليلاً على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوة، مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر، فقال :﴿أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً﴾ مضيئاً يبصر فيه.
قوله :" لِيَسْكُنُوا فِيهِ " قيل : فقيه حذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول، إذا التقدير : جعلنا الليل و " لتتصرفوا " لدلالة " ليسكنوا ".
وقوله :" مُبْصِراً " كقوله :﴿آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء : ١٢]، وتقدم تحقيقه في الإسراء، قال الزمخشري : فإن قلت : ما للتقاليل لم يراع في قوله :" لِيَسْكُنُوا " و " مُبْصِرَةٌ " حيث كان أحدهما علة، والآخر حالاً ؟ قلت : هو مراعى من حيث المعنى وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف يريد لم لا قال : والنهار لتتصرفوا فيها، وأجاب غيره بأن السكون في الليل هو المقصود (من الليل وأما الإبصار في النهار فليس هو المقصود) لأنه وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يصدقون فيعتبرون، وخص المؤمنين بالذكر - وإن كانت الأدلة للكل - لأن المؤمنين هم المنتفعون، كقوله :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة : ٢].
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٠١
قوله :﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ﴾ هذه العلامة الثانية لقيام القيامة، والصور : قرن ينفخ
٢٠٥
فيه إسرافيل، فإذا سمع الناس ذلك الصوت يصيحون ثم يموتون، وهذا قول الأكثرين.
وقال الحسن : الصور هو الصوَر، وأول بعضهم كلامه أن الأرواح تجتمع في القرن ثم ينفخ فيه فتذهب الأرواح إلى الأجساد، فتحيا الأجساد.
قوله :﴿فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ﴾ قال :" فَفَزَعَ " بلفظ الماضي ولم يقل فيفزع لتحققه وثبوته وأنه كائن لا محالة، لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل، كقوله :﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل : ١].
والمعنى : يلقى عليهم الفزع إلى أن يموتوا، قيل : ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات : نفخة الفزع، ونفخة الصعف، ونفخة القيام لرب العالمين.
قوله :﴿إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ﴾ فالمراد إلا من ثبّت الله قلبه من الملائكة، قالوا : وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وجاء في الحديث : أنهم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش، قال سعيد بن جبير وعطاء عن ابن عباس هم الشهداء، لأنهم أحياء عند ربهم.
وعن الضحاك : هم رضوان والحور وخزنة النار وحملة العرش.
و " كُلٌّ أَتَوْهُ " أي الذين أُحْيُوا بعد الموت.
قوله :" أَتَوْهُ " قرأ حمزة وحفص :" أَتَوْهُ " فعلاً ماضياً ومفعوله الهاء، والباقون :" آتوه " : اسم فاعل مضافاً للهاء، وهذا حمل على معنى " كُلّ " وهي مضافة تقديراً، أي : وكلهم.
وقرأ قتادة :" أتَاهُ " ماضياً مسنداً لضمير " كلّ " على اللفظ، ثم حمل على معناها، فقرأ " دَاخِرِين "، والحسن والأعرج " دَخِرِينَ " بغير ألف أي : صاغرين :
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٠٥
قوله :﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا﴾ هذه العلامة الثالثة لقيام القيامة، وهي
٢٠٦
قوله تعالى :﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ [الكهف : ٤٧] " جَامِدَةً " قائمة واقعة، و " تَحْسَبُهَا جَامِدَةً " هذه الجملة حالية من فاعل " تَرَى " أو من مفعوله، لأن الرؤية بصرية.
قوله :" وَهِيَ تَمُرُّ " الجملة حالية أيضاً، وهكذا الأجرام العظيمة تراها واقفة وهي مارة قال النابغة الجعدي يصف جيشاً كثيفاً : ٣٩٧٣ - بِأَرْعَنَ مِثْلِ الطَّوْدِ تَحْسِبُ أَنَّهُمْ
وُقُوفٌ لِحَاجٍ وَالرِّكَابُ تُهَمْلِجُ


الصفحة التالية
Icon