قال شهاب الدين : وليس في الآي والبيت دلالة على وقوع " لن " موقع " لا "، لظهور النفي فيهما من غير تقدير دعاء.
فصل قال ابن عباس :﴿بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ بالمغفرة، ﴿فَلَنْ أَكُوْنَ ظَهِيراً﴾ عوناً " لِلْمُجْرِمينَ ".
أي : للكافرين وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً، وهو قول مقاتل، وقال قتادة : لن أعين بعدها على خطيئة.
قال ابن عباس : لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني :(وهذا ضعيف، لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة، وإنما خاف منه ذلك العدو، فقال :﴿إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً﴾ [القصص : ١٩] إلاّ أنه لم يقع منه).
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٢٤
قوله :﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ التي قتل فيها القبطي " خَائِفاً " الظاهر أنه خبر " أصبح "، و " فِي المَدِينَةِ " مفعول به، ويجوز أن يكون حالاً، والخبر " فِي المَدِينَةِ "، ويضعف تمام " أَصْبَحَ " أي : دخل في الصباح.
٢٣٠
قوله :" يَتَرَقَّبُ " يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً ثانيةً، وأن يكون بدلاً من الحال (الأولى)، أو الخبر الأول، أو حالاً من الضمير في " خَائفاً " فتكون متداخلة، ومفعول " يَتَرَقَّبُ " محذوف، أي : يترقب المكروه، أو الفرج، أو الخبر : هل وصل لفرعون أم لا ؟ قوله :" فَإِذَا " " إِذَا " فجائية، و " الَّذِي " مبتدأ وخبره إمَّا " إذَا " فـ " يَسْتَصْرِخُهُ " حال، وإمَّا " يَسْتَصْرِخُهُ " فـ " إِذَا " فضله على بابها، و " بِالأَمْسِ " معرب، لأنه متى دخلت عليه " أل " أوأضيف أعرب، ومتى عَرِيَ منها فحاله معروفٌ، الحجاز يبنونه، والتميميون يمنعونه الصرف، كقوله :
٣٩٨١ - لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسَا
على أنه قد بُنِيَ مع " ال " ندوراً، كقوله : ٣٩٨٢ - وَإِنِّي حُبِسْتُ اليَوْمَ والأَمْسِ قَبْلَهُ
إِلَى الشَّمْسِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ
يورى بكسر السين.
قوله :﴿قَالَ لَهُ مُوسَى ﴾ الضمير قيل للإسرائيلي، لأنه كان سبباً في الفتنة الأولى، وقيل للقبطي، وذلك أنَّ موسى لما أصبح خائفاً من قتل القبطي " يَتَرَقَّب " ينتظر سوءاً، والترقب انتظار المكروه.
قال الكلبي : ينتظر متى يؤخذ به، ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ يستغيثه ويصيح به من بعد، قال ابن عباس : أتى فرعون فقيل له : إنَّ بني
٢٣١
إسرائيل قتلوا مِنَّا رجلاً فخذ لنا بحقنا، فقالوا ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه (فلا تنسبوني أن أقضي) بغير بينة، فبينما هم يطوفون لا يجدون بيّنة إذ مَرَّ مُوسَى من الد، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً، فاستغاثه على الفرعوني، فصادق موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي، فقال موسى للإسرائيلي :﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ (أي : ظاهر الغواية).
قال أهل اللغة :" لَغَوِيٌّ " يجوز أن يكون فَعِيلاً بمعنى مفعل، أي : إنَّك لمغويّ، فإنِّي وقعتُ بالأمس فيما وقعت فيه بسببك، ويجوز أن يكون بمعنى الغاوي : قاتلت رجلاً بالأمس فقتلته بسببك، وتقاتل اليوم آخر، وتستغيثني عليه، وقيل : إنما قال موسى للفرعوني :﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ بظلمك، والأكثرون على الأول.
قوله :﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ﴾ الظاهر أنَّ الضميرين لموسى، وقيل للإسرائيلي، والعدو : هو القبطي، والضمير في ﴿قَالَ يا مُوسَى ﴾ للإسرائيلي، كأنه توهم من موسى مخاشنة، فَمِنْ ثمَّ قال ذلك، وبهذا فشا خبره وكان مشكوكاً في قاتله.
و " أَنْ " تطرد زيادتها في موضعين : أحدهما : بعد لمَّا كهذه.
والثاني : قبل " لَوْ " مسبوقة بقسم كقوله :
٣٩٨٣ - أَمَا وَاللَّهِ َنْ لَوْ كُنْتُ حُراً
٣٩٨٣م - فَأُقُسِمُ أَنْ لَوْ التَقَيْنَا وَأَنْتُمُ
لَكَانَ لَكُمْ يَوْمٌ مِنَ الشَّرِّ مُظْلِم
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٣٠
والعامة على " يَبْطِش " بالكسر، وضمَّها أبو جعفر، وقيل : إن القائل " يَا مُوسَى " هو القبطي، وكان قد عرف القصة من الإسرائيلي.
قال ابن الخطيب : وهذا هو الظاهر، لقوله :﴿فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يا مُوسَى ﴾، فهذا
٢٣٢