فكان الأصمعي يأباها، ويوري " وحوامل " بالواو، والصحيح بالفاء، وول البيت على أن الدَّخُول وحَوْمَل مكانان كل منهما مشتمل على أماكن، نحو قولك : دارِي بين مصر، لأنه يريد به المكان الجامع، والأصل ذلك بيننا ففرق بالعطف.
قوله :" أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ " أي شرطية وجوابها " فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ ".
وفي " مَا " هذه قولان : أشهرهما : أنها زائدة، كزيادتها في أخواتها من أدوات الشرط.
٢٤٤
والثاني : أنها نكرة، و " الأَجَلَيْنِ " بدل منها.
وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية " أَيْمَا " بتخفيف الياء كقوله : ٣٩٩٠ - تَنَظَّرْتُ نَسْراً والسِّمَاكَيْنِ أَيْهُمَا
عَلَيَّ مِنَ الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مَوَاطِرُه
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٣٤
وقرأ عبد الله ﴿أيَّ الأَجَلَيَْ مَا قَضَيْت﴾ بإقحام " مَا " بين " الأَجَلَيْن " و " قَضَيْتُ ".
قال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين موقع زيادة " مَا " في القراءتين ؟ قلت : وقعت في المستفيضة مؤكدة لإبهام، " أَيْ " زيادة في شياعها، وفي الشاذة تأكيداً للقضاء كأنَّه قال : أي الأجلين صمَّمْت على قضائه وجرَّدتُ عزيمتي له.
وقرأ أبو حيوة وابن ٌطَيب " عِدْوانَ ".
قال الزمخشري : فإن قلت : تصوُّر العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو أقصرهما، وهو المطالب بتتمة العشر، فما معنى تعلق العدوان بهما جميعاً ؟ قلت : معناه : كما أني إن طولبت بالزيادة على العَشْر (كان عدواناً) لا شك فيه، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثماني، أراد بذلك تقرير أمر الخيار، وأنه ثابت مستقر، وأنَّ الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا، ويكون اختيار الأقل والزائد موكولاً إلى رأيه من غير أن يكون لأحدهمَا عليه إجبار، ثم قال : وقيل : معناه فلا أكون متعدِّياً، وهو في نفي العدوان عن نفسه كقولك : لا إثم عليَّ ولا تبعة.
قال أبو حيان : وجوابه الأول فيه تكثير.
قال شهاب الدين : كأنه أعجبه الثاني.
والثاني لم يرتضه الزمخشري، لأنه ليس جواباً في الحقيقة، فإن السؤال
٢٤٥
باق أيضاً، ولذلك نقله عن غيره، وقال المبرد : وقد علم أنه لا عدوان عليه في أيهما، ولكن جمعهما ليجعل الأول كالأَتَمِّ في الوفاء.
فصل قال المفسرون : المعنى " أيّ الأَجَلَيْن قَضَيْتُ " أتممتُ وفرغت منه الثماني أو العشر، ﴿فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ لا ظلم عليَّ بأن أطالب بأكثر ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ قال مقاتل : شهيد فيما بيني وبينك، وقيل : حفيظ، ولما استعمل الوكيل بمعنى الشاهد عُدِّي بـ (عَلَى) قال سعيد بن جبير : سألني يهودي من أهل الحيرة : أيَّ الأَجلينِ قَضَى مُوسَى ؟ قلت : لا أدري حتى أقدم على حَبْر العرب فأسأله، فقدمتُ فسألتُ ابن عباس فقال : قَضَى أكثرها وأطيبهما، إن رسول الله ﷺ إذا قال فعل.
وروي عن أبي ذر مرفوعاً " إذَا سُئِلْتَ أَيَّ الأَجَلينِ قَضَى مُوسَى ؟ فقل خيرهُما وأبرَّهما، وإذا سئلت أيَّ المرأتين تزوَّج موسى ؟ فقل الصغرى منهما، وهي التي جاءت فقالت :﴿يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ فتزوج صغراهما، وقضى أوفاهما " وقال وهب : أنكَحَه الكُبْرى.
ولمَّا تعاقد العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه، واختلفوا في تلك العصا.
فقال عكرمة : عرج بها آدم من الجنة، فأخذها جبريل بعد موت آدم، فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلاً، فدفعها إليه، قيل : كانت من آس الجنة حملها آدم من الجنة، فتوراثتها الأنبياء، وكان لا يأخذها غير نبي، فصارت من آدم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب، فكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى، وقال السُّدي : كانت تلك العصا استودعها إياه ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه بعصا، فدخلت فأخذت العصا فأتته بها، فلما رآها شعيب قال لها : رُدِّي هذه العصا، وأتيه بغيرها، فدخلت وألقتها، وأرادت أن تأخذ غيرها، فلا تقع في يدها إلا هي، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، فأعطاها موسى، وأخرجها موسى معه، ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة فذهب في أثره فطلب أن يرد العصا، فأبى موسى أن يعطيه وقال :﴿هِيَ عَصَايَ﴾
٢٤٦
[طه : ١٨]، فرضي أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما، فلقيهما ملك في صورة رجل، فحكم أن تطرح العصا فمن حملها فهي له فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها، فلم يطقها، فأخذها موسى بيده، فرعفها فتركها له الشيخ ثم إن موسى لم أتم الأجل وسلم شعيب ابنته إليه، قال مجاهد : لما قضى موسى الأجل مكث بعد ذلك (عند صهره عشراً) أخرى فأقام عنده عشرين سنة، ثم استأذنه في العود إلى مصر، فأذن له فخرج بأهله إلى جانب الطور.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٣٤


الصفحة التالية
Icon