" آنسَ " أي : أبصر " ﴿مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً﴾ وكان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلقُ، فقال ﴿لأَهْلِهِ امْكُثُوا ااْ إِنِّى آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّى آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ عن الطريق لأنه اكن قد أخطأ الطريق.
قوله " أَوْ جُذْوَةٍ " قرأ حمزة بضم الجيم، وعاصم بالفتح، والباقون بالكسر وهي لغات في العُود الذي في رأسه نار، هذا هو المشهور، قال السُّلَمي : ٣٩٩١ - حَمَا حُبُّ هذي النَّارِ حُبَّ خَلِيلَتِي
وَحُبُّ الغَوَانِي فهو دُونَ الحُبَاحِبِ
وَبُدِّلْتُ بعدَ المِسْك وَالبَانِ شِقْوَةً
دُخَان الجذَا في رأْسِ أَشْمَطَ شَاحِبِ
٢٤٧
وقيده بعضهم فقال : في رأسه نار من غير لهب، قال ابن مُقبل : ٣٩٩٢ - بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمسن لَهَا
جِزَالَ الجِذَا غَيْرَ خَوَّارٍ وَلاَ دَعِرِ
الخوَّار الذي يتقصف، والدَّعِرُ الذي فيه لهب.
وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه، قال الشاعر : ٣٩٩٣ - وَأَلْقَى عَلَى قَبسٍ من النار جُذْوَةً
شديداً عَلَيْها حَرُّها والتِهَابُهَا
وقيل : الجذوة : العودُ الغليظُ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن، وليس المراد هنا إلا ما يكون في رأسه نارٌ.
قوله " مِنَ النَّارِ " صفة لـ " جَذْوَة " ولا يجوز تعلقها بـ " آتِيكُم "، كما تعلق بها " مِنْهَا "، لأن هذه النار ليست النار المذكورة، والعرب إذا تقدَّمت نكرة وأرادت إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً أو معرَّفةً بأل العهدية، وقد جُمِعَ الأمران هنا.
" لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ " تستدفئون.
قوله " مِنْ شَاطِىءِ " " مِنْ " لابتداء الغاية، و " الأَيْمَنِ " صفة للشاطىء أو للوادي، والأَيْمَنُ من اليُمْنِ، وهو البَرَكة، أو مِنَ اليمين المعادل لليسار من العضوين، ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى، أي : الَّذي على يمينك دون يسارِك، والشطاىء ضفة الوادي والنهر أي : حافته وطرفه، وكذلك الشَّطُّ والسيف والساحل كلها بمعنى، وجمع الشاطىء " أَشْطاءٌ " قاله الراغب، وشاطأت فلاناً : ماشيته على الشاطىء.
٢٤٨
قوله : طفِي البُقْعَة " متعلق ( " نُودِيَ " أي) بمحذوف على أنه حال من الشاطىء، وقرأ العامة بضم الباء، وهي اللغة الغالبة، وقرأ مسلمة والأشهب العقيلي بفتحها وهي لغة حكاها أبو زيد قال : سمعتهم يقولون : هذه بقعةٌ طيبة، (ووصف البقعة بكونها مباركة لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة، وتكليم الله تعالى إياه).
قوله :" مِنَ الشَّجَرَةِ " هذا بدل من " شَاطِىء " بإعادة العامل، وهو بدل اشتمال، لأن الشجرة كانت ثابتة على الشاطىء كقوله :﴿لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ﴾ [الزخرف : ٣٣].
قوله :﴿أَن يا مُوسَى ﴾ هي المفسرة، وجوِّز فيها أن تكون في المخففة، واسمها ضمير الشأن، وجملة النداء مفسرة له، وفيه بُعد.
قوله ﴿إِنِّى أَنَا اللَّهُ﴾ العامة على الكسر على إضمار القول، أو على تضمين النداء معناه، وقرىء بالفتح، وفيه إشكال، لأَنَّهُ إنْ جعلت " أَنْ " تفسيرية، وجب كسر " إنِّي " للاستئناف المفسر للنداء بماذا كان، وإن جعلتها مخففة لزم تقدير " أَنِّي " بمصدر، والمصدر مفرد، وضمير الشأن لا يفسر بمفرد، والذي ينبغي أن تُخرَّج عليه هذه القراءة أن تكون " أَنْ " تفسيرية و " أَنِّي " معمولة لفعل مضمر تقديره أَنْ موسى اعلم أَنِّي أنا الله، واعلم أنه تعالى قال في سورة النمل ﴿نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [النمل : ٨] وقال ها هنا : نُودِي أَنِّي أنا اللَّه ربُّ العالمين، وقال في سورة طه ﴿نُودِيَ يا مُوسَى إِنِّى أَنَاْ رَبُّكَ﴾ [طه : ١١ - ١٢]، ولا منافاة بين هذه الأشياء، فهو تعالى ذكر الكلّ إلا أنه تعالى حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه بعض ذلك النداء.
قوله :﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ تقدم الكلام على ذلك.
٢٤٩