٣٩٩٥ - وَقَدْ خَابَ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ الغَدْرُ
وتقدم إيضاح هذا في الأنعام.
والبرهان تقدم اشتقاقه، وهو الحجة، وقال الزمخشري هنا : فإنت قُلتَ : لم سميت الحجةُ برهاناً ؟ قلت : لبياضها وإنارتها من قولهم (للمرأة البياض) برهرهة، بتكرير العين واللام، والدليل على زيادة النون قولهم أَبْره الرجلُ إذا جاء بالبرهان، ونظيره تسميتهم إياها سلطاناً من السَّليط وهو الزيت لإنارتها.
قوله " إلَى فِرْعَوْنَ " متعلق بمحذوف، فقدره أبو البقاء مرسلاً إلى فرعون، وغيره : اذْهَب إلى فرعون، وهذا المقدر ينبغي أن يكون حالاً من " بُرْهَانَانِ " أي : مرسلاً بهما إلى فرعون، والعامل في هذه الحال ما في اسم الإشارة.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٤٧
قوله :﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾ اعلم أنه تعالى لمَّا قال :﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ [القصص : ٣٢] تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه، فعند ذلك طلب من يقوِّي قلبه فقال :﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً﴾، لأنه كان في لسانه حبسة إما في أصل الخلقة وإما لأنه وضع الجمرة في فيه عندما (نتف لحية) فرعون.
قوله " هُوَ أَفْصَحُ " الفصاحة لغةً الخلوصُ، ومنه : فصُحَ وأَفْصَحَ فهو مفصِحٌ وفصيحٌ، أي : خلُصَ من الرِّغوة، ومنه قولهم :
٣٩٩٦ - وَتَحْتَ الرِّغْوَةِ اللَّبَنُ الفَصِيحُ
ومنه : فصُحَ الرَّجُلُ جادت لغته، وأفصح : تكلَّم بالعربية، وقيل : بالعكس، وقيل : الفصيح، الذي ينطق، والأعجم : الذي لا ينطق، ومنهذا استعير أَفصحَ الصُّبحُ، أي : بَدَا ضوؤُهُ، وأفصح النصراني : دنا فصحُه بكسر الفاء، وهو يعد لهم.
وأما في اصطلاح أهل البيان، فهو خُلُوص الكلمة من تنافر الحروف، كقوله : تَرَعَى الهُعْخُعَ، ومن الغرابة كقوله :
٣٩٩٧ - وَمَرْسِناً مُسَرَّجَا
ومن مخالفة القياس اللُّغوي كقوله :
٢٥٤
٣٩٩٨ - العَلِيِّ الأَجْلَلِ
وخلوص الكلام منن ضعف التأليف كقوله :
٣٩٩٩ - جَزَى رَبُّهُ عَنِّي عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ
ومن تنافر الكلمات كقوله : ٤٠٠٠ - وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانِ قَفْرٍ
وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
اسم الكتاب : تفسير اللباب في علوم الكتاب
ومن التعقيد وهو إما إخلال نظم الكلامفلا يُدْرَى كيف يتوصل إلى معناه، كقوله : ٤٠٠١ - وَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ إلاَّ مُمَلَّكاً
أبُو أُمِّهِ حَيٌّ أَبُوهُ يُقَارِبُه
وإما عدم انتقال الذهب من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهِر كقوله : ٤٠٠٢ - سَأَطْلُبُ بَعْدَ الدَّارَ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوا
وَتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدُّمُوعَ لِتَجْمُدَا
٢٥٥
وخلوص (المتكلم من) النطق بجميع ذلك، فصارت الفصاحة يوصف بها ثلاثة أشياء : الكلمةُ والكلامُ والمتكلمُ، بخلاف البلاغة فإنه لا يوصف بها إلا الأخيران، وهذا ليس (موضع) إيضاحه وإنما ذكرناه تنبيهاً على أصله، ولساناً : تمييز.
قوله " رَِدْءاً " (منصوب) على الحال، والرِّدْءُ : العَوْنُ وهو فعل بمعنى مفعول كالدِّفْ بمعنى المدفوء به، وَرَدَأتُهُ على عدوه أي : أَعنتُهُ عليه، وردأْتُ الحائط : دعمتُهُ خشبةٍ لِئلاً يسقط، وقال النحاس : يقال : رَدَأْتُهُ وَأَرْدَأْتُهُ، وقال سلامة بن جندل : ٤٠٠٣ - وَرِدْئِي كل أَبْيَضَ مَشْرَفيٍّ
شَحِيذَ الحدِّ أبيض ذِي فُلُولِ
وقال آخر : ٤٠٠٤ - ألم تر أنَّ َصْرَمَ كان رِدْئِي
وَخَيْرُ النَّاسِ في قُلٍّ ومَالِ
وقرأ نافع بغير همزة " رِداً " بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلا أنه لم ينوِّنْه، كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف، ونافع ليس من قاعدته النقل في كلمة إلاَّ هُنا، وقيل : ليس نَقْلٌ وإنما هو من أردى على كذا، أي : زَادَ، قال :
٢٥٦
٤٠٠٥ - وَأَسْمَرَ خَطِّيّاً كَأَنَّ كُعُوبَهُ
نَوَى القَسْبِ قَدْ أَرْدَى ذِرَاعاً على العَشْرِ