ألقيته في النَّار " وكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق.
قوله :" بِغَيْرِ الحَقِّ " جحال، أي : استكبروا متلبسين بغير الحق، ﴿وَظَنُّوا ااْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ﴾ قرأ نافع والأخوان ويعقوب " يَرْجِعُونَ " مبنياً للفاعل، والباقون للمفعول.
قوله :﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ وهذا من الكلام المفحم الذي يدل على عظمة شأنه وكبرياء سلطانه، شبههم - استحقاراً لهم واستقلالاً لعددهم - وإن كانوا الجم الغفير - كحصيات أخذهن آخذ في كفه وطرحهُنَّ في البحر، ونحو ذلك قوله ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ﴾ [المرسلات : ٢٧] ﴿وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة : ١٤] ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر : ٦٧].
وليس الغرض منها إلا تصوير أنَّ كلَّ مقدور وإن عظم فهو حقير بالنسبة إلى قدرته ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾.
قوله :" وَجَعَلْنَاهُمْ " أي : صيَّرَنَاهُم وقال الزمخشري : دعوناهم، كأن فر من نسبة ذلك إلى الله تعالى، أعني : التصيير لأنه لا يوافق مذهبه، ويدعون صفة لـ " أَئِمَّة " وقال الجبائي : وجعلناهم : أي بيَّنا ذلك من حالهم وسميناهم به، ومنه قوله :﴿وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَـانِ إِنَاثاً﴾ [الزخرف : ١٩].
وقال أبو مسلم : معنى الإمامة التقدم، فلما عجَّلل الله لهم العذاب صاروا متقدّمين لمن وراءهم من الكافرين.
ومعنى دعوتهم إلى النار : دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي، فإن أحداً لا يدعو إلى النار ألبتة، وإنما جعلهم الله أئمةً في هذا الباب، لأنهم بلغوا في هذا الباب إلى أقصى النهايات ومن كان كذلك استحق أن يكون إماماً يقتدى به في ذلك الباب.
قوله :﴿وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ﴾ لا يمنعون من العذاب، كما تنصر الأئمة الدعاة إلى الجنة، ﴿وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ خزياً وعذاباً.
قوله :" وَيَوْمَ القِيَامَةِ " فيه أوجه :
٢٦١
أحدها : أن تتعلق بـ " المَقْبُوحِينَ " على أن (أل) ليست موصولة أو موصولة واتسَّع فيه، وأن تتعلق بمحذوف يفسره " المَقْبُوحِينَ "، كأنه قيل :" وقبِّحُوا يوم القيامة، نحو :﴿لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ﴾ [الشعراء : ١٦٨]، أو يعطف على موضع " في الدُّنْيَا "، أي : أتبعناهم لعنة يوم القيامة.
أو معطوفة على " لَعْنَة " على حذف مضاف، أي : ولعنتةً يوم القيامة.
والوجه الثاني أظهرهما : والمَقْبُوحُ، المطرود قبحه الله : طرده، قال : ٤٠٠٦ - أَلاَ قَبَّحَ اللَّهُ الَراجِمَ كُلَّهَا
وَجَدَّعَ يَرْبُوعاً وَعَفَّرَ دَارِمَا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٦٠
وسُمِّي ضد الحسن قبحاً لأنَّ العين تنبو عنه، فكأنها تطرده، يقال : قبح قباحةً، وقيل :" مِنْ المَقْبُوحِينَ " : من الموسومين بعلامة منكرة، كزرقة العيون وسواد الوجوه، قاله ابن عباس، يقال : قَبَحَهُ الله وقَبَّحَه، إذا جعله قبيحاً، قال الليث : قَبَحَهُ المرفق، وقال أبو عبيدة :" مِنَ المَقْبُوحِينَ " من المهلكين.
قوله :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى ﴾ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم والمراد بالكتاب : التوراة، بيَّن تعالى أنَّ الذي يجب التمسك به ما جاء به موسى، ووصفه بأنه بصائر للنَّاس من حيث يستبصر به في باب الدين.
قوله :" بَصَائر " يجوز أن يكون مفعولاً له، وأن يكون حالاً إما على حذف
٢٦٢
مضاف أي : ذا بصائر، أو على المبالغة، و " هُدًى " من حيث يستدل به، ومن حيث أن المتمسك به يفوز بطلبته من الثواب، ووصفه بأنه " رَحْمَةً، لأنه من نعم الله على من تعبد به.
روى أبو سعيد الخدري " عن النبي - ﷺ - أنه قال : ما أهلك الله قرناً من القرون بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل التوراة غير أهل القرية التي مسخها الله قردةً " وقوله " لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " بما فيه من المواعظ والبصائر.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٦٠
قوله :﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ (قال قتادة والسدي : وما كنت بجانب الجبل الغربي) فيكون من حذف الموصوف، وإقامة صفته قيامه أو أن يكون من إضافة الموصوف لصفته، وهو مذهب الكوفيين، ومثله : بَقْلَةُ الحَمْقَاءِ، وَمَسْجِدُ الجَامِع.
قوله :﴿إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الأَمْرَ﴾ أي : عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، والمعنى : وما كنت الحاضر المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه أو على الوحي إليه وهم نقباؤه الذي اختارهم للميقات.
فإن قيل : لمَّا قال :﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ ثبت أنه لم يكن شاهداً،
٢٦٣