يقولوا : لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً.
بل إنما يقولون إذا نالهم العقاب، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقال لا غير التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم، وهو كقوله :﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ﴾ [الأنعام : ٢٨].
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٦٣
قوله :" فَلَمَّا جَاءَهُمْ " يعني محمداً الحق من عندنا قالوا يعني كفار مكة (لَوْلاَ) هلاَّ " أُوتِيَ مُحَمَّدٌ " مثل ما أُوتِيَ موسى من الآيات كاليد البيضاء، والعصا، وفلق البحر، وتظليل الغمام، وانفجار الحجر بالماء والمنِّ والسَّلْوَى وكلام الله غيرها.
وقيل : مثل ما أُوتي موسى كتاباً جملةً واحدةً.
قال الله عزّ وجلّ :﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾، واختلفوا في الضمير في قوله : أَوَ لَمْ يَكْفُرَوا، فقيل : إن اليهود أمروا قريشاً أن يسألوا محمداً أن يؤتى مثل ما أُوتِيَ مُوسَى - عليه السلام - فقال تعالى :" أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا " هؤلاء اليهود ﴿بِمَآ أُوتِيَ مُوسَى ﴾ بجميع تلك الآيات الباهرة ؟ وقيل : إنّ الذين اقترحوا هذا هم كفار مكة، والذين كفروا بموسى هم الذين كانوا في زمن موسى إلاَّ أنه تعالى جعله كالشيء الواحد، لأنهم في الكفر والتعنت كالشيء الواحد.
وقال الكبي : إنَّ مشركي مكة بعثوا رهطاً إلى يهود المدينة يسألونهم.
٢٦٧
عن محمد وشأنه، فقالوا : إنا نجده في التوراة بنعته وصفته، فلما رجع الرَّهط وأخبروهم بقول اليهود، وقالوا : إنَّه كان ساحراً كما أن محمداً ساحر، فقال تعالى في حقهم :﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾.
وقال الحسن : كان للعرب أًل في أيام موسى - عليه السلام - فمعناه على هذا : أو لم يكفر آباؤهم، وقالوا : موسى وهارون ساحران، وقال قتادة : أو لم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبل من البشارة بعيسى ومحمد فقالوا ساحران، وقيل : إن كفار قريش كانوا منكرين لجميع النبوات ثم إنهم لما طلبوا من الرسول معجزات موسى - عليه السلام - قال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾، بل بما أوتي جميع الأنبياء من قبل، أي : لا غرض لهم من هذا الاقتراح إلا التعنت، ثم حكى كيفية كفرهم بما أوتي موسى، وهو قولهم " سَاحِرَانِ تَظَاهَرا ".
قوله :" مِن قَبْلُ " إمَّا أن يتعلق بـ " يَكْفُرُوا "، أو بـ " أُوتِيَ " أي من قبل ظهورك.
قوله :" سَاحِرَانِ " قرأ الكوفيون " سِحْرَان " أي هما، أي : القرآن والتوراة، أو موسى وهارون، وذلك على المبالغة، جعلوهما نفس السحر، أو على حذف مضاف، أي : ذوا سِحْرَين، ولو صحَّ هذا لكان ينبغي أن يفرد سحر، ولكنَّه ثني تنبيهاً على التنويع، وقيل المراد : موسى ومحمد - عليهما السلام - أو التوراة والإنجيل، والباقون :" سَاحِرانِ " أي : موسى وهارون أو موسى ومحمد كما تقدم.
قوله :" تَظَاهَرَا " العامة على تخفيف الظاء فعلاً ماضياً صفة لـ " سِحْرَان " أو " سَاحِرَانِ " أي : تعاوَنَا.
وقرأ الحسن ويحيى بن الحارث الذَّمَّاري وأبو حيوة واليزيدي بتشديدها، وقد لحنهم الناس، قال ابن خالويه تشديده لحن، لأنه فعل ماض، وإنَّما يُشَدَّد في المضارع، وقال الهذلي : لا معنى له، وقال أبو الفضل : لا أعرف
٢٦٨


الصفحة التالية
Icon